الخبر وما وراء الخبر

الجنوب السوري بين الوصاية والتقسيم.. قراءة في المشهدية

2

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

18 سبتمبر 2025مـ 26 ربيع الأول 1447هـ

تقرير|| منصور البكالي

على وقع تصاعد الأحداث في الجنوب السوري، تبدو المنطقة وكأنها محور محاولةٍ ممنهجة لتثبيت وتوسيع معادلة الاستباحة، حيث يسعى كيان العدو الصهيوني لتمرير مخططات تُقوّض سيادة الأرض وتقرّب من حلمه المزعوم بـ«دولة إسرائيل الكبرى»، في ظل تواطؤٍ عربي وصمتٍ إسلامي مخيفين.

التطورات في السويداء تحولت إلى حلقة في مشروع إقليمي يأخذ شكلَ ترسيم نفوذ واستغلال غطاءات سياسية محلية لتحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى: استقرار شكلي مقابل فقدان حقيقي للقرار والسيادة.

ويبقى الإعلان عن تفاهم ثلاثي بين دمشق وواشنطن وعمان ظهر كخطوة أولى لإرساء معادلة جديدة: ضبط الأوضاع الميدانية واحتواء الاضطرابات وإبقاء الجنوب مستقراً شكلياً، بينما تدار خيوطه من الخارج.

في المقابل، يكشف المقترح الأمني الصهيوني عن نية تقسيم الجنوب السوري إلى ثلاث مناطق بدرجات متفاوتة من نزع السلاح، على غرار اتفاقية سيناء مع مصر، مع الإصرار على السيطرة على مواقع استراتيجية مثل جبل الشيخ، والاكتفاء بوجود الشرطة والأمن الداخلي السوري في المناطق القريبة من الحدود.

كما يتضمن المقترح فرض منطقة حظر جوي كامل على الطائرات السورية، والإبقاء على ممر جوي مفتوح يتيح لكيان العدو الصهيوني شن ضربات مستقبلية وصولاً إلى حدود إيران.

خارطة الطريق في السويداء تُمنح غطاءً سياسياً محلياً، فيما يرسم الاتفاق الأمني مع العدو الصهيوني معادلة إقليمية أوسع، حيث تكون الولايات المتحدة حليفة الكيان الغاصب، هي الراعي والموجه عبر إدارة خطوط التماس.

وهكذا يبدو الجنوب أقرب إلى الوصاية الخارجية منه إلى السيادة الوطنية، بينما تتحول التسويات المحلية إلى أداة تمهيدية لصفقات أكبر تُفقد الدولة صلاحياتها الحقيقية.

وفي هذا السياق، قال مدير مركز دار للدراسات الاستراتيجية، الأستاذ فيصل عبد الستار، إن ما جرى في السويداء ليس معزولاً عن تفاهمات إقليمية كبرى، بل هو تمهيد لاتفاق أكبر مع كيان العدو الصهيوني.

وأوضح في حديثه لقناة المسيرة أن الاتفاقية الجديدة ليست شبيهة باتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة عام 1974 كما يروج لها، بل هي اتفاقية مختلفة تماماً تُكرّس وضع الجنوب السوري تحت وصاية “العين الإسرائيلية”، إن لم يكن تحت الاحتلال المباشر، بعدما تُنزع عنه السيادة الوطنية وتُفرض عليه شروط العدو.

وأكد أن الهدف الحقيقي لهذه الترتيبات هو بقاء بعض الشخصيات في السلطة مقابل تقديم تنازلات عن السيادة والأرض، معتبراً أن هذا الثمن باهظ ويفتح الباب أمام مزيد من التغلغل الصهيوني في المنطقة.

كما لفت إلى أن الاتفاقية تتجاوز حدود سوريا لتشمل العراق أيضاً، بما يمنح العدو الصهيوني ممراً جوياً يصل إلى إيران، وهو ما يشكل تهديداً إقليمياً واسعاً.

تبريرات الخيانة

من جهته، حاول زعيم الجماعات المسلحة العميلة، المدعو بـ الجولاني، التملص من طبيعة الاتفاق عبر تصريحات نقلتها وكالات غربية، إذ قال إنه في حال نجاح الاتفاق الأمني يمكن التوصل إلى اتفاقات أخرى، لكن التطبيع والسلام ليسا مطروحين الآن.

غير أن عبد الستار اعتبر هذا التلاعب اللغوي مجرد محاولة لتهدئة الشارع، في حين أن الوقائع على الأرض تؤكد أن العدو الصهيوني ليس بحاجة إلى سلام شكلي، بل إلى ترتيبات أمنية تخدم استراتيجيته.

وأضاف أن مطالبة العميل الجولاني للعدو باحترام المجال الجوي السوري ووحدة الأراضي جاءت متأخرة، لأنها تلت القبول بالاتفاقات الأمنية التي تنزع السيادة وتجعل الجنوب ساحة مفتوحة تحت أعين العدو. وأكد أن التبرير بالعجز أمام التكنولوجيا الصهيونية المتفوقة يعكس منطق الاستسلام، وهو خطر يهدد ثقافة المقاومة في المنطقة.

مخاطر الاستسلام وسبيل المواجهة

وحذر عبد الستار من أن أي تنازل أمام كيان العدو الصهيوني لن يؤدي إلى الاستقرار، بل سيشجع على المزيد من المطالب والابتزاز، كما حدث مع تجارب أنظمة عربية أخرى.

وأشار إلى أن ما يجري اليوم يعكس مشروعاً ممنهجاً للقضاء على ثقافة المقاومة وتجريد المنطقة من عناصر القوة، سياسياً وعسكرياً وبشرياً.

إنّ الجنوب السوري يقف اليوم عند مفترق تاريخي شديد الحساسية، حيث تتداخل الحسابات الدولية مع الطموحات الصهيونية وتضع السيادة الوطنية أمام اختبار وجودي.

ومع انكشاف هذه الترتيبات الأمنية والسياسية، يظلّ السؤال المفتوح: هل ينجح كيان العدو الصهيوني عبر أدواته وتفاهماته في تثبيت وتوسيع معادلة الاستباحة وتحويل الجنوب إلى جزءٍ من مشروع “دولة إسرائيل الكبرى” كما يروّج له مخططوه، أم أنّ إرادة الشعوب وقوى المقاومة قادرة على قلب المعادلة وفرض معادلة الردع والمواجهة؟

وهل سيظل تواطؤ بعض الأنظمة العربية والإسلامية، المكتفة بالولاية والمولاة لليهود والنصارى، أحد عوامل تسهيل هذا المسار، وهذا الخزي والخذلان، أم أن الضمير العربي والإسلامي سينهض ليحمي كرامة الشعوب وسيادة الأرض؟ وهل ستكون التنازلات الأمنية ثمناً لبقاء نخَبٍ في السلطة، أم أن الكلفة النهائية ستتجاوز حدود سوريا لتطال عمق الأمن العربي والإسلامي بأسره؟

إنها أسئلة مفتوحة على مستقبلٍ غامضٍ ومخاطِرٍ جسيمة، لكن المؤكد أن كل خطوة تنازلية أمام كيان العدو لا تعني إلا مزيداً من التغلغل والتمدد، وأن الرهان الحقيقي يظل معقوداً على وعي الشعوب وصمودها في وجه مشاريع الوصاية والتقسيم.