الخبر وما وراء الخبر

غزة وصنعاء.. توأم الدم والإرادة في زمن اللاإنسانية

4

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

11 سبتمبر 2025مـ 19 ربيع الأول 1447هـ

تقرير || منصور البكالي

في غزة كما في صنعاء، لا حاجة لخرائط لتعرف الطريق بين المدينتين؛ يكفي أن تتبع أثر الدماء وأصوات الأمهات الثكالى لتصل إلى المشهد ذاته.

أطفال يخرجون من تحت الركام، نساء يحملن على الأكتاف نعوش أحلامهن، ورجال يفتشون بين الغبار عن بقايا حياة انهارت فجأة تحت صواريخ صهيونية، بأموال عربية، لا تعرف الرحمة.

صورة واحدة تتكرر، وإن اختلفت الجغرافيا، يخطها الحبر ذاته: دم واحد وجرح واحد وعدو واحد، ولغة عربية واحدة، وحروف وكلمات قطعها الألم والجوع، والحزن، واليأس تارة، والأمل الصمود تارة أخرى.

لكن بينما تتعالى صرخات الأبرياء، يواصل العالم صمته الثقيل، كأن القيم الإنسانية غادرت آخر ساحات الرحمة، وكأن المواثيق التي وُلدت لحماية الضعفاء قد وُضعت في قبر مظلم.

وحدها الأجساد الصغيرة الممزقة تعيد السؤال إلى الواجهة: أي إنسانية هذه التي تموت أمام أعيننا ولا تجد من ينعشها؟

تتناثر الأشلاء في الأزقة وتتعالى صرخات الثكالى في المستشفيات، فيما يقف العالم متفرجًا ببرود، وقد خذلت الإنسانية نفسها، وتوارى الضمير العالمي، وانهارت المواثيق والقوانين الدولية التي طالما تغنى بها المجتمع الدولي، خلف ترليونات الخليج العربي الممولة للإبادة، والحلب الترامبي غير المسبوق، وانتشار القواعد الأمريكية الحامية لمجرمي الحرب، والمثبتة لعروش الطواغيت.

أمام هذه الفظائع، صمتت المنظمات الحقوقية وتبخرت أصوات الناشطين، وغابت الدساتير والقيم، حتى باتت الفطرة الإنسانية على حافة الانهيار في منزلق خطير من التوحش والإجرام الصهيوني الأمريكي النفاقي، الذي يمد ظله الأسود من غزة إلى صنعاء، وبيروت ودمشق وطهران، متحديًا كل القيم الأخلاقية والإنسانية.

في أروقة مستشفى الكويت بالعاصمة صنعاء، تعالت أصوات الألم ممتزجة بصرخات الصمود، هناك، حيث هرعت سيارات الإسعاف وهي تحمل على عجل أجسادًا أنهكها العدوان الصهيوني الغاشم، لترسم ملامح الجريمة البشعة التي استهدفت المدنيين الأبرياء، نساءً وأطفالًا، في قلب المدينة.

كانت مشاهد وصول الجرحى مروعة، إذ وثقت عدسات الكاميرا دخول عشرات المصابين، بعضهم في حالة حرجة، وآخرون غلب عليهم النزيف والجروح العميقة. ووفقًا للأطباء المناوبين، فإن ما يقارب 70% من الضحايا كانوا من النساء والأطفال، أصيبوا بشظايا وقذائف اخترقت صدورهم وبطونهم، أو حوّلت أجسادهم إلى لوحات مليئة بالجروح السطحية العديدة.

 

ثلاثة من المصابين وصلوا بعدما فارقوا الحياة قبل أن تصلهم يد الأطباء، فيما بقي آخرون بين الحياة والموت.

ورغم الألم، كانت رسائل الجرحى وأسر الشهداء أقوى من صرخاتهم. أحد الجرحى، الذي كان يعمل في مطبعة، حكى كيف انهار منزله بفعل الغارات، ليجد نفسه بين ركام الحجارة والزجاج قبل أن ينتشله المسعفون. وبصوت متقطع لكنه ثابت، قال: “بيوتنا تهدمت، أسر كاملة أُبيدت، لكننا فداء لفلسطين وغزة… أقسم بالله أننا لن نتراجع مهما حصل.”

وفي زاوية أخرى من المستشفى، جلست أم ثكلى فقدت ابنتها الصغيرة، لكنها تحدثت بصلابة مذهلة: “دماء أطفالنا ليست أغلى من دماء أطفال غزة، سنظل صامدين ونقدم التضحيات نصرةً لهم.”

كلماتها كانت شاهدة على وحدة الألم والمصير بين صنعاء وغزة، وعلى أن الدماء العربية واحدة مهما اختلفت الجغرافيا.

حتى الطواقم الطبية لم تسلم من نيران الغارات، إذ تعرض بعض المسعفين للاستهداف أثناء محاولتهم إنقاذ الضحايا.

ورغم ذلك، واصل الأطباء والممرضون عملهم تحت ضغط هائل، يتنقلون بين غرفة وأخرى، ويسابقون الزمن لانتشال الأرواح من براثن الموت. على وقع هذه المأساة، لم تغب الرسائل السياسية والإنسانية التي بعث بها الضحايا وأسرهم.

الجميع هنا متفقون على أن العدوان الصهيوني، المدعوم أمريكياً وبريطانياً، والمتواطئ مع أنظمة عربية صامتة، لن ينجح في كسر إرادة اليمنيين.

بل إن الجرحى أكدوا أن ما حدث لن يزيدهم إلا إصراراً على مواصلة دعمهم لفلسطين والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في معركته ضد الاحتلال. وفي لحظة إنسانية مؤثرة، قال أحد الجرحى: “نحن ننزف من نزف غزة، ونحيا لقضيتها. حتى لو هُدمت بيوتنا فوق رؤوسنا، لن نتخلى عن فلسطين أبداً.”

مع استمرار نقل المصابين وانتشال الضحايا من تحت الأنقاض، يتجسد أمام العالم مشهد إنساني بالغ القسوة، لكنه أيضاً مشهد يعكس شجاعة وصمود شعب يرفض الانكسار.

إنها ليست مجرد جراحات ودماء، بل رسالة حياة ومقاومة، تؤكد أن اليمن، رغم جراحه العميقة، ماضٍ في طريقه نصرةً لفلسطين وقضية الأمة المركزية.

ومن قلب مستشفى الكويت، يخرج الصوت واحداً: “العدوان الصهيوني لن يمر دون حساب، ودماء الشهداء ستظل وقوداً للمقاومة حتى يتحقق النصر.”

هذه الدماء التي سالت في شوارع صنعاء، كما تسيل في كل دقيقة وثانية ولحظة في أزقة غزة، يقف الضمير العالمي عارياً أمام محكمة التاريخ؛ صمتٌ يوازي التواطؤ، وتغاضٍ يرقى إلى الشراكة الكاملة في الجريمة.

إن المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن، الذين يرفعون شعارات حماية المدنيين وحقوق الإنسان، يتحولون اليوم إلى شهود زور يبررون إبادة جماعية موصوفة، تُرتكب بحق الأبرياء من النساء والأطفال.

آن الأوان أن تُرفع هذه المظالم إلى محكمة الجنايات الدولية، وأن تُسجل كشكاوى قانونية مدعومة بالحقائق والصور والدماء الناطقة، لمحاسبة قادة الكيان الصهيوني، ومن ورائهم مجرمو الحرب في الإدارة الأمريكية والبريطانية، ومعهم بعض الأنظمة العربية التي ارتضت لنفسها أن تكون شريكاً في العدوان بالصمت أو التسهيل أو المشاركة، والدعم والتمويل، ونقل السلاح والغذاء، بحراً وجواً وبراً، لإفشال حصار صنعاء على الكيان.

هذه ليست حرباً عابرة، بل إبادة وغطرسة صهيونية أمريكية بريطانية سعودية إماراتية..، ممتدة في المنطقة، وحلقة واحدة في سلسلة جرائم ضد الإنسانية لا يجوز للعالم التغاضي عنها.

ومهما حاولوا التلاعب بالقوانين أو استخدام الفيتو كدرع لحماية القتلة، فإن التاريخ لن يغفر، والدماء لن تُمحى، وصوت الشعوب سيظل يطالب بالعدالة.

إننا نضع العالم أجمع أمام مسؤوليته الأخلاقية والقانونية، ونقول بصوت واحد: إما أن تنتصر القيم الإنسانية على منطق القوة، أو ينهار ما تبقى من مصداقية المؤسسات الدولية.

 

وعلى قادة العدوان أن يصغوا لكلمات صنعاء وقيادتها السياسية والثورية والعسكرية، ويعلموا أن ساعة الحساب قادمة لا محالة، وأن دماء الشهداء، من فلسطين إلى اليمن، ستظل شاهدة، تطارد المجرمين حتى تطالهم يد البأس اليمانية، بصواريخها الفرط صوتية والمتشظية، ومسيراتها المتقدمة، وعزم وإرادة جيشها ومجاهديها الماضين بإرادة صلبة، ومعنويات عالية، وثقة بالله لا نظير لها في مواصلة معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، وتغيير وجه العالم الموحش، وإقامة دين الله تحت راية وليه ابن المصطفى السيد العلم عبدالملك بدر الدين الحوثي – يحفظه الله – من أخاف حاملات الطائرات، وزلزل عروش الطغاة، ومعه شعب الإيمان والحكمة والجهاد والاستشهاد والصمود، إلى آخر نفس.