لبنان بين خيبة أمل خارجية ومخاطر الانفجار الداخلي
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
27 أغسطس 2025مـ 4 ربيع الأول 1447هـ
تشهد الساحة اللبنانية تصعيداً سياسياً خطيراً على خلفية الضغوط المتزايدة التي يمارسها العدو الأمريكي وكيان العدو الصهيوني، إلى جانب أطراف إقليمية، بهدف فرض مشروع نزع سلاح المقاومة في لبنان، وتفريغ الدولة من عناصر قوتها الأساسية، في مقدمتها معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”.
عبّر رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، عن إحباطه من نتائج زيارة الوفد الأمريكي الأخير إلى بيروت، والتي جاءت في سياق ما يُسمى بسياسة “الخطوة مقابل الخطوة”. وأوضح بري في تصريح صحفي أن الوفد لم يحمل أي رد من كيان العدو الصهيوني على المقترحات اللبنانية، بل جاء محملاً بمطالب إضافية، في مقدمتها نزع سلاح حزب الله دون أي مقابل.
واعتبر بري أن هذا الموقف يضاعف من تعقيد المشهد اللبناني، خاصة أن العدو الصهيوني لا يزال يحتل أراضٍ لبنانية، ويواصل اعتداءاته الجوية والبرية والبحرية، دون رادع أو محاسبة. وفي ظل غياب التفاعل الصهيوني مع أي من الطروحات اللبنانية، رأى بري أن المبادرة الأمريكية قد فشلت عملياً، وأنها تسير في اتجاه منحاز بالكامل لصالح كيان العدو.
تحذير من انفجار داخلي
وفي السياق ذاته، حذّر الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور طارق عبود، من خطورة ما يجري التخطيط له خلف الكواليس.
وفي حديث لقناة “المسيرة”، أشار عبود إلى أن قرار الحكومة اللبنانية بعقد جلسة في الثاني من سبتمبر المقبل لمناقشة خطط الجيش اللبناني بشأن “سحب سلاح المقاومة” يأتي استجابة مباشرة لإملاءات العدو الأمريكي، مضيفاً أن هذه الخطوة تهدد بإدخال لبنان في مرحلة مجهولة وخطيرة.
وأوضح عبود أن لبنان، الذي يعاني من خروقات يومية من كيان العدو الصهيوني، لم يتلقَ أي ضمانات أو مقابل سياسي، بل تم الضغط عليه لنزع ورقة القوة الوحيدة المتبقية، وهي المقاومة. وتساءل عبود: “كيف يمكن الحديث عن نزع سلاح المقاومة، في وقت يتعرض فيه لبنان لأكثر من 4500 خرق جوي وبحري وبري منذ تشرين الثاني الماضي؟”
الجنوب يرفض الإملاءات
من جانبه، أشار الكاتب والمحلل السياسي فراس فرحات إلى أن الاحتجاجات الشعبية في جنوب لبنان شكّلت رسالة قوية وواضحة إلى جميع الأطراف المتآمرة على سلاح المقاومة، مؤكداً أن إلغاء المبعوث الأمريكي، توماس براك، زيارته إلى الجنوب جاء نتيجة مباشرة لهذا الرفض الشعبي.
وأوضح فرحات في حديثة “للمسيرة” أن القرار الرسمي بمحاولة نزع سلاح حزب الله، والذي تم الترويج له كـ”قرار لبناني”، هو في الحقيقة قرار مشترك بين كيان العدو الصهيوني والعدو الأمريكي وبعض الأنظمة الخليجية، في مقدمتها النظام السعودي، الذي يسعي لتفجير الوضع اللبناني حتى ولو أدى ذلك إلى حرب أهلية.
الشعب يحمي شرعية المقاومة
وأضاف فرحات أن ما جرى في الجنوب بالأمس من تحركات عفوية، يعكس الوعي الشعبي العميق بضرورة التمسك بسلاح المقاومة كوسيلة للدفاع عن السيادة اللبنانية.
وقال: “لقد دفعت هذه الأرض ثمناً باهظاً من دماء الشهداء والجرحى، ولن يقبل أحد أن تتحول أرض الجنوب إلى منصة تهليل للمبعوثين الأمريكيين أو منصة ترويج لمشاريع تخدم أجندة الكيان الصهيوني الغاصب”.
وأكد أن ما تسعى إليه الأطراف الداعمة للعدو الصهيوني هو تفريغ الدولة اللبنانية من قدراتها، وتحويلها إلى كيان ضعيف لا يملك قرار السيادة ولا أدوات الدفاع عن النفس، تمهيداً لفرض مشاريع أمنية واقتصادية تخدم مصالح العدو في المنطقة، وعلى رأسها ما يسمى بـ مشروع “إسرائيل الكبرى”.
السيناريوهات القادمة: مواجهة أم انفجار؟
وفي ظل هذا المشهد المتأزم، يزداد الحديث عن سيناريوهات محتملة في حال أصرت الحكومة اللبنانية على المضي قدماً في قرار نزع سلاح المقاومة. يرى المراقبون أن هذا التوجه قد يؤدي إلى شرخ وطني واسع، وربما إلى مواجهة داخلية بين مكوّنات الدولة، خاصة إذا ما تم استدعاء الجيش اللبناني لتنفيذ قرارات تخالف التوازنات الوطنية الدقيقة.
وبحسب عبود، فإن المقاومة تستمد شرعيتها من الشعب اللبناني، وليس فقط من الدولة. وقد تشكّلت هذه الشرعية كرد فعل على احتلال كيان العدو لأراضٍ لبنانية واعتداءاته المتكررة.
وبالتالي، فإن أي قرار يستهدف هذه المقاومة دون توفير بديل سيادي قادر على الحماية، سيواجه برفض واسع قد يتجاوز الاحتجاجات إلى تحركات ميدانية.
لبنان على مفترق طرق
لا شك أن لبنان يقف اليوم أمام مفترق طرق تاريخي: إما التمسك بمقوّمات القوة والسيادة الوطنية، أو الانزلاق نحو تنفيذ إملاءات العدوين الصهيوني والأمريكي تحت عناوين براقة كالإصلاح أو بسط سلطة الدولة.
لكن التجربة أثبتت أن الدولة، التي لم تتمكن من وقف الاعتداءات أو استعادة الأراضي المحتلة، لا يمكنها أن تطلب من شعبها التخلي عن مقاومته.
وما جرى بالأمس في الجنوب ليس إلا نموذجاً أولياً لما قد يشهده لبنان إذا ما تمادت الحكومة في خطواتها دون مراعاة الإرادة الشعبية، التي لا تزال تؤمن بأن المقاومة هي ضمانة البقاء والسيادة والاستقلال.