الخبر وما وراء الخبر

لبنان رغم تناقضات المبعوث الأمريكي ماضٍ في التشبّث بموقفه

2

ذمــار نـيـوز || مـتـابعات ||
22 يوليو 2025مـ – 27 محرم 1447هـ

يُظهِرُ المبعوثُ الأمريكي إلى سوريا ولبنان، “توم براك”، في زيارته الأخيرة لبيروت، عدمَ وجود نية للتفاوض مع حزب الله أَو تقديم ضمانات أمريكية لوقف الاعتداءات الصهيونية على لبنان.

ويخفي الواقعُ الذي يبحث عنه “براك” من خلال مناوراته الإعلامية، والتناقضات في تصاريحه، مصلحةَ كيان الاحتلال الإسرائيلي.

في بداية الزيارة، استلم “براك” ردًّا رسميًّا من لبنان، قدَّمه الرئيس اللبناني “عون” خلال لقائهما، كما ناقش مع رئيس الحكومة في لقاءٍ مطول مِلَفَّ سلاح حزب الله، والتركيز على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة -وفقًا للبيان الوزاري- في رغبةٍ أمريكية للتعامل مع الملف بأكثر حسمًا وسرعة.

وفيما المبعوث الأمريكي لم يلتقِ بأيٍّ من مسؤولي حزب الله خلال زياراته المتكرّرة لبيروت؛ قدم لبنان ردًّا يتضمَّنُ مجموعةَ حلول لمحاولة تقريب وجهات النظر بين الشروط اللبنانية والصهيونية، رغم تبني أمريكا حرفيًّا للموقف “الإسرائيلي” الذي يطالب بنزع سلاح حزب الله.

المبعوث الأمريكي بين الغموض والتناقض:

وفقًا للمعطيات؛ لم تكن تصريحاتُ المبعوث الأمريكي هذه المرة مفاجئة في جوهرها، وإن كانت صريحة في لهجتها؛ فهي ليست الأولى من نوعها؛ فقد سبق له أن أعلن في زيارةٍ سابقة أنه لا توجد ضمانات أمنية قادرة على وقفِ الاعتداءات الإسرائيلية.

آنذاك قال “براك”: “ليست مهمتنا أن نوقفهم”، ونعى عملَ لجنة مراقبة اتّفاق وقف إطلاق النار، وأما اليوم؛ فهو يعلن بوضوح موتَ الاتّفاق نفسه، مؤكّـدًا أنه لم يأتِ إلى لبنان لإرغام الكيان الإسرائيلي على أي شيء.

وسابقًا كان قد وصف حزبَ الله بأنه “حزبٌ سياسي لا يمكن لأحد إنكارَ وجوده”، ونراه اليوم يصنّفُه على أنه “منظمة إرهابية” -وفقًا للمنظور الأمريكي- مؤكّـدًا في الوقت ذاته أن عدم تجاوب لبنان مع المطالب الأمريكية لن يترتب عليه عقوباتٌ كما يظن البعض؛ بل سيكون ذلك “مخيِّبًا للآمال”.

اللافت أن “براك” رفض تقديمَ ضمانات لوقف الأعمال العدائية الصهيونية؛ الأمر الذي يضعُ مزيدًا من التعقيد على المِلَفِّ، خَاصَّة وأن المطلوب هو تنازل من طرف واحد.

وفي سياق التناقض يقول “توم براك”: “باستطاعة كُـلّ قادة حزب الله أن يجروا حوارًا مع نظرائهم في الحكومة اللبنانية وليس معي”، يشير هذا التصريح إلى محاولةٍ أمريكية لصناعة تصادم داخلي تكون أمريكا والكيان خارج حلبته.

ووفقًا لتسريبات لبنانية أكّـدت أن “براك” حاول التواصل مع حزب الله، إلا أنهُ رفض أي حديثٍ مباشر مع الأمريكيين؛ كونه جزءًا من الحكومة أَسَاسًا، ويتحدث داخلها، وكل تصريحات “براك” حول حزب الله، تؤكّـد أن الحزب يرفض أوراقهم ومتمسك برؤيته.

عمليًّا، يُظهِرُ “براك” اليوم أن الأمور متروكةٌ للاحتلال الصهيوني ليفعل ما يشاء، من دون أية مطالبة أمريكية تكبح عدوانه.

الضغط على لبنان لتقديم تنازلات جديدة:

المعلَنُ حتى الآن أن “براك” حضر إلى بيروت للحصول على “الرد على الرد” اللبناني بشأن الورقة الأمريكية الأخيرة، وكانت مصادر مطلعة قد صرّحت، أمس الاثنين؛ بأن ملاحظات “براك” على الرد اللبناني أسوأ حتى من مضمون الورقة الأمريكية نفسها.

وبمقارنة هذه الزيارة بزيارته السابقة، يتضح فارق كبير في النبرة؛ ففي المرة السابقة، حاول الرجل إظهار الرضا والامتنان، أما هذه المرة؛ فخرج في مؤتمره الصحافي بموقف أقرب إلى الواقعية والبرود، متحدثًا عن الاستقرار في سوريا، وعن دور لبنان المحوري في انطلاق مرحلة جديدة في المنطقة، مُشيرًا إلى أنه “اختار عباراته بدقة”.

لكن كيف ردّ لبنان؟ -بحسب المصادر اللبنانية- المذكرة التي سلّمها “عون” إلى “براك” استندت إلى خطاب القسم، والبيان الوزاري، وكل ما ورد في اتّفاق وقف إطلاق النار، مجددة التأكيدَ على ضرورة بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية.

في إشارة على أنهُ موقفٌ يعبّر عن إجماع الرؤساء الثلاثة، الذين يربطون أية خطوة لبنانية جديدة بانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية كافة، ووقف خروقاته المُستمرّة للقرار (1701).

تصريحات “براك” تؤكّـد أنه سمع الموقف اللبناني بوضوح؛ وهو يسعى إلى إعادة الأمور إلى نقطة الصفر؛ تمهيدًا لاتّفاق جديد ومسار مختلف.

وبحسب تقارير إعلامية؛ فالورقة الأمريكية، أشبهُ باتّفاق جديد بالكامل؛ إلا أن لبنانَ لن يقبَلَ بالسير في أي اتّفاق جديد ما لم يلتزم الاحتلال بتطبيق الاتّفاق الحالي، وما صدر عن “براك” يؤكّـد ثبات الموقف اللبناني.

تماسك لبناني وتنصل أمريكي:

الثبات والتشدّد اللبناني -وفقًا لمراقبين- يعكسُ انزعَـاجَه من سحب أمريكا عمليًّا ضمانتَها؛ بل ونعى “براك” علنًا لجنةَ مراقبة تنفيذ الاتّفاق، ثم الاتّفاق ذاته؛ وفيما يتمسك لبنان بموقفه، تتنصّل واشنطن من دورها.

تطورٌ يسلّط الضوء على المشهد بشكلٍ أوضح؛ فوصول “براك” إلى بيروت فتح البابَ أمام تعقيدات جدية، وربما سيُترجَمُ هذا الانسداد السياسي الراهن إلى تصعيدٍ عسكري صهيوني بعد مغادرته.

في السياق؛ أكّـد رئيس مجلس النواب “نبيه بري” أن “الحذر واجب”، مُضيفًا أن الحذر المطلوب ليس سياسيًّا فقط؛ بل يشمل الجانبَينِ الأمني والعسكري؛ فالعدوّ الإسرائيلي، رغم انشغاله في سوريا، لا يغضُّ الطرفَ عن لبنان، ولا يمكن لأي موفد أمريكي أن يزورَ لبنان دون محاولة تحقيق أهدافه، مهما ادّعى عكس ذلك.

“توم براك” صرّح، أمس الاثنين: إنه “لا توجد عقوبات”، لكن في السياسة الأمريكية، “إذا لم يكن الأمريكي كاذبًا؛ فَإنَّه يُعدّ محنّكًا محتالًا”، كما يصفه خبراءُ ومراقبون.

في جديد التناقضات؛ خرج “براك” اليوم الثلاثاء، مؤكّـدًا أن الاجتماع الذي عقده مع رئيس مجلس النواب اللبناني “نبيه بري” كان “ممتازًا”، مُشيرًا إلى أن “لا مشكلة في الضمانات”، وداعيًا الجميع إلى التحلي بالأمل.

وكان الرئيس “برّي” قد استقبل “براك”، ترافقُه السفيرة الأمريكية في بيروت “ليزا جونسون”؛ وبعد اللقاء، شدّد المبعوث الأمريكي على أهميّة مواصلة الجهود، مؤكّـدًا أن “الأمور تسير في الاتّجاه الصحيح”.

ورغم الغموض والتناقض الذي يكتنفُ تحَرّكات وتصريحات “براك”، إلا أن وسائلَ إعلام لبنانية أكّـدت أن المسار المقبل سيتضح بشكلٍ أكبر، خُصُوصًا بعد التنسيق الذي تم بين “برّي وعون”؛ إذ إن لبنان ماضٍ في التشبّث بموقفه.