الخبر وما وراء الخبر

غزة تنزف تحت الركام: صرخات الضحايا تخترق صمت العالم لليوم الـ 650 تواليًّا

2

ذمــار نـيـوز || متابعات ||

17 يوليو 2025مـ 22 محرم 1447هـ

في قطاعٍ يُحاصَر بالموت والجوع، وسماءٍ تقصف الحياة ولا تمطر سوى النكبات، لليوم الـ 650 تواليًّا، تتواصل الإبادة الجماعية في غزة بصمتٍ دوليٍ مدوٍّ، ودماء الأبرياء تسيل على أرصفة العجز والنفاق العالمي.

العدوّ الإسرائيلي والمؤسسة الأمريكية (مؤسسة غزة الإنسانية) تحت غطاء “GHF” ينفذون مجازر مروعة بحق المُجوَّعين خلفت الآلاف من الشهداء والجرحى.

مؤسسة ليست جهة إنسانية ولا تحمل أية معايير مهنية أو أخلاقية للعمل الإغاثي؛ وإنها مراكز ومصائد للموت جنوبي قطاع غزة، وبعد أن دعت المواطنين لاستلام مساعدات ثم أغلقت البوابات لخنقهم، وقام موظفوها وجنود العدوّ برش غاز الفلفل الحارق وأطلقوا النار على المجوّعين.

مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قال: إن أكثر من 875 شخصًا في غزة قتلوا أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء حتى 13 يوليو الجاري، وأن 674 شخصًا قُتلوا بالقرب من مواقع “مؤسسة غزة الإنسانية”.

بينما أكّدت وزارة الصحة بغزة أنها المرة الأولى يتم تسجيل شهداء جراء الاختناق والتدافع الشديد للمواطنين في مراكز توزيع المساعدات.

في الساعات الـ 48 الماضية، ارتقى 110 شهيدًا، بينهم 7 جرى انتشالهم من تحت الركام، و8 شهداء من عناصر تأمين المساعدات بينما أصيب 278 آخرون، أُضيفوا إلى قوائم الانتظار الطويلة على أبواب الموت أو الشلل أو البتر.. في مستشفيات باتت هي الأخرى في غرفة الإنعاش.

وارتفعت حصيلة العدوان العسكري الإسرائيلي، منذ السابع من أكتوبر 2023م، على قطاع غزة إلى 58 ألفًا و573 شهيدًا، بالإضافة لـ 139 ألفًا و607 إصابات بجروح متفاوتة.

وبلغت حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 مارس الماضي (تاريخ خرق الاحتلال لـ “هدنة غزة”)، حتى اليوم الخميس، 7750 شهيدًا إلى جانب 27566 إصابة، وفق معطيات “وزارة الصحة.

لكن الحقيقة الأكثر فظاعة أن هذا الرقم لا يشمل الذين لا تزال أجسادهم مدفونة تحت الأنقاض، أو الملقاة في الشوارع، بعد أن أعاقت قوات الاحتلال وصول طواقم الإسعاف والدفاع المدني إليهم، أولئك لا يزالون ينادون الحياة في صراخٍ دامٍ، بينما يتواطأ العالم بصمته.

ومن بين هؤلاء، شهداء لقمة العيش الذين ارتقوا وهم ينتظرون مساعدات قد لا تصل أبدًا، عشرات الشهداء الجدد خلال يوم واحد فقط، ومئات الإصابات الإضافية، ليبلغ إجمالي من قضوا وهم يلاحقون فتات الخبز 844 شهيدًا وأكثر من 5604 جريحًا.

جرائم مروّعة ارتُكبت حيث تمطر قوات الاحتلال جموع الجائعين المدنيين بالقذائف والرصاص، قرب النقطة الأمريكية الإسرائيلية التي تتحكم بإدخال المساعدات الإنسانية، لتتحول نقطة الإغاثة إلى ساحة مذبحة.

حركة حماس دانت الجريمة، مؤكدة أن هذه “الآلية الإجرامية” تمثل وجهًا آخر من أوجه الحرب على المدنيين، وتستدعي تحركًا دوليًّا عاجلًا لوقفها ومحاسبة من يقف خلفها.

إلى ذلك، يشهد الوضع الطبي في غزة تجاوز حدود الكارثة، مع استهداف ممنهج للمستشفيات وسيارات الإسعاف والعاملين الصحيين، وأكثر من 1580 من الكوادر الصحية و467 من موظفي الإغاثة استُشهدوا منذ بداية العدوان، في استهداف لا لبس فيه للبُنى التحتية الإنسانية.

منظمة الصحة العالمية وشهادات الدفاع المدني أكّدت وجود عشرات العالقين تحت الأنقاض دون قدرة على الوصول إليهم، بفعل القصف المتواصل وعرقلة الاحتلال لتحرّكات الطواقم.

وفي واحدة من أكثر الصور قسوة، يفقد في غزة يوميًّا 10 أطفال أطرافهم، بينما أُصيب أكثر من 40 ألف طفل بجروح متعلقة بالحرب، وسط انتشار الأمراض وسوء التغذية.

“الأونروا” أعلنت أن واحدًا من كل 10 أطفال في عياداتها يعاني من سوء التغذية، مع استمرار الاحتلال في منع إدخال أي مساعدات منذ أربعة أشهر.

تصريحات رسمية صدرت عن رئيس الهيئة الدولية “حشد”، كذّبت الرواية الإسرائيلية بشأن دخول المساعدات، مؤكدًا أن آلاف الشاحنات لا تزال متوقفة على المعابر، بفعل القيود التي تفرضها سلطات الاحتلال، ما يفاقم المجاعة ويحوّل غزة إلى مسرح لجريمة إبادة متواصلة.

المقرّرة الأممية الخاصة “فرانشيسكا البانيز” صرّحت أن الاقتصاد الإسرائيلي “مصمم لاستمرار الاحتلال وتحويله إلى إبادة جماعية”، مطالبة بوقف العلاقات الدولية مع “إسرائيل”.

مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان طالبت بتحقيقات شفافة في جرائم قتل المدنيين المنتظرين للمساعدات، رافضة أية آلية تتجاهل القانون الدولي.

رغم التصريحات الصادرة عن الخارجية القطرية بأن المفاوضات جارية لوقف إطلاق النار، إلا أنها لا تزال في مراحلها الأولى، في وقتٍ تتسارع فيه آلة الموت الإسرائيلية في التهام الأحياء دون رحمة.

في غزة، لا توجد مساحة للحياد؛ فإما أن تكون مع الإنسانية أو تصمت شريكًا للجريمة؛ فالأطفال لا يصنعون الصواريخ، والشهداء لا يكتبون البيانات، والناجون لا ينتظرون بيانات الشجب والإدانة؛ بل ينتظرون ماءً، دواءً، ونهاية لهذا الجحيم.

وإلى أن يستيقظ العالم من صمته، تظل غزة تصرخ بالدم: “هنا يموت الناس.. لأنكم صمتم”.