ما وراء الدعوات لوقف إطلاق النار في غزة؟
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
30 يونيو 2025مـ – 5 محرم 1447هـ
تقريــر || محمد ناصر حتروش
لا أمل حتى الآن في وقف العدوان الصهيوني على قطاع غزة؛ ففي قلب القطاع المدمّـر تتواصلُ الغارات بشكل جنوني، لتحصدَ أرواحًا بريئة وتدمّـر الأطلال المدمّـرة.
هذا في القطاع، تقف الأرواح كأشباح تبحث عن مأوى، وفي زوايا الحارات المعتمة، ترسم الجدران قصص الحزن، وفي كُـلّ ركن تسمع الأوجاع تنبع من القلوب المرهقة؛ فالغارات الهستيرية للعدو الإسرائيلي لا تترك لسكان القطاع متنفسًا، حتى ضحكات الأطفال تخنقها الدموع، وكل محاولة للعيش تحت الشمس، تصطدم بجدران مصنوعة من الخوف.
وأمام واقعٍ كهذا، ينسجُ جيشُ الاحتلال العديدَ من الخطط لتدميرِ القطاع وتهجير سكانه، ففي جلسة صاخبة للقادة العسكريين الصهاينة، خلص الاجتماع إلى تبنِّي خيارَين:- إما توسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة وإشراك وحدات عسكرية كبيرة، أَو اللجوء للحلول الدبلوماسية والسياسية لإنقاذ الأسرى الرهائن لدى المقاومة الفلسطينية.
كل الاحتمالات واردة؛ فالعدوّ الإسرائيلي لا يريد التوقف عن دمويته في غزة، ولولا صمود الشعب الفلسطيني هناك وثبات المقاومة، لكان القطاع بأكمله حكرًا للعدو ولمغتصبيه.
ولأن العدوّ قد وصل إلى طريق مسدود؛ فإن داعميه من الأمريكيين بدأوا خلال الأيّام الماضية بإرسال إشارات تدلُّ على أن الحربَ قد تتوقف في غزة.. فما حقيقة هذه الأنباء والدعايات؟
بالنسبة لحركة المقاومة الإسلامية حماس، فهي لا تؤكّـدُ وجودَ مفاوضات لإيقاف العدوان على غزة حتى اللحظة، وإنما يتم الحديثُ من قبل آخرين وفي مقدمتهم الأمريكيون.
ويفنِّد الخبير في شؤون كيان العدوّ الإسرائيلي سهيل خليلية ما يُشاع عن قرب اتّفاق لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، واصفًا هذه المزاعمَ بالعملية المخادعة والتضليلية، وبأنها تهدف إلى التغطية على نوايا عدوانية مبيَّتة.
ويشير إلى أنه تم رصد تحَرّكات عسكرية مكثّـفة للكيان الصهيوني حول القطاع، وتمركز واسع لوحدات هجومية؛ ما يدل على أن الاحتلال يعدّ لاجتياح بري جديد.
وفي حديثه لقناة (المسيرة) يوضح خليلية أن العدوّ الإسرائيلي فشل حتى اللحظة في تحقيق أهدافه الميدانية؛ إذ لم يستطع فرض أية سيطرة دائمة رغم استخدامه أقصى قدراته العسكرية، لافتًا إلى أن غزة تحوَّلت إلى مستنقع استنزافٍ للعقل الأمني والعسكري الإسرائيلي.
ويشير إلى أن “الاحتلالَ يسعى لتغييرِ الواقعِ الجغرافي والديموغرافي داخل غزة، من خلال محاولة فصل القطاع إلى شطرَينِ، شمالي وجنوبي، وقد نجح بالفعل في دفع ثلاثة أرباع السكان إلى النصف الجنوبي بفعل القصفِ والدمار، وهو ما يمثل سابقة خطيرة في مسار العدوان”، لافتًا إلى أن “حكومة الكيان الصهيوني التي توصف بالأكثر تطرفًا في تاريخ الكيان، تسعى لإطالة أمد الحرب حتى العام 2026، لاعتقادها بأنها قادرة على فرض شروط جديدة في المنطقة”.
وبعيدًا عن مساعي تكتل اليمين المتطرف لإطالة أمد الحرب، تظهر تصريحات مبعوث الرئيس الأمريكي في المنطقة “ويكتوف” عن حدوث وشيك لوقف إطلاق النار بغزة.
وحول هذه الجزئية يقول خليلية: إن “الولايات المتحدة لا تتحَرّكُ تجاه غزة إلا بما يتماشى مع مصالح الاحتلال”، مشدّدًا على أن “واشنطن لا تعنيها إرادَة الفلسطينيين ولا آلام القطاع، بل تنتظر فقط ما يقرّره “الإسرائيليون”، حتى فيما يتعلق بأية مفاوضات أَو صفقات تبادل”.
ويرى أن “الذي سيجبر الكيان الصهيوني على القبول بأية صفقة أَو تهدئة ليس الوسطاء ولا الضغوط الدولية، بل صمودُ المقاومة وتصعيدها النوعي”، مؤكّـدًا أن إرادَة الميدان هي التي سترسم ملامح المرحلة المقبلة.
ويتفق الباحث السياسي الفلسطيني صالح أبو عزة مع ما طرحه سهيل خليلية من أن “كيان العدوّ الإسرائيلي لا يُبدي أيةَ نية حقيقية للانخراط في وقف العدوان ورفع الحصار”، لافتًا إلى أن “المماطلة المُستمرّة من العدوّ الإسرائيلي تُظهِر أن الحديث عن وقف إطلاق النار يُستخدم كأدَاة ابتزاز سياسي وأمني”.
ويتزامن الحديث عن اتّفاقيات وقف إطلاق النار بغزة مع توسع موجة التطبيع تحت مسمى “اتّفاقيات أبراهام” والتي تتخذها دولُ التطبيع والخيانة كحُجّـة لوقف العدوان على غزة، في حين أن تلك الخطوات تسعى لتصفية القضية الفلسطينية والإطاحة التامة بالمقاومة.
وفي حديثه لقناة (المسيرة) يوضح أبو عزة أن ما يسُمّى بـ”اتّفاقيات أبراهام” لم تُحدِث تغييرًا حقيقيًّا في سياسات الاحتلال تجاه الفلسطينيين، بل شكّلت مُجَـرّدَ غطاء سياسي لتوسيع التطبيع دون أية التزامات فعلية تجاه القضايا الإنسانية، وعلى رأسها غزة.
ويقول: “ربما كانت حساباتُ بعض الأنظمة المطبّعة قائمةً على وَهْمِ أن الاندماج في مشروع السلام الإقليمي سيخفِّفُ من معاناة غزة أَو يعجِّلُ بإعادة الإعمار، لكن الواقع أثبت عكس ذلك”، مُشيرًا إلى أن “الكيان لا يتعامل مع هذه الاتّفاقيات إلا من زاوية السيطرة والتوسع، وليس من باب الحقوق أَو العدالة”.
ويبيِّن أن “الاحتلال الإسرائيلي لا يستجيب إلا للضغط”، مؤكّـدًا أن “القوة الميدانية للمقاومة هي وحدَها القادرةُ على فرض شروط إعادة الإعمار، وليس المناشدات أَو الاتّفاقيات الشكلية”.
ويواصل: “إذا أرادت قوى المقاومة أن تفتحَ بابَ الإعمار بجدية، فعليها أن تنتزعَ هذا الحق من الاحتلال كما انتزعت غيرَه من حقوقها؛ لأن التجربة أثبتت أن الوقاحة السياسية للاحتلال لا تتراجع إلا تحت ضغط القوة”.
وبين التفاؤل باقتراب وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والميدان الملتهب، يبقى الواقع في غزة مرآة لمعركة الإرادات.
وَإذَا ما صدقت الأنباء عن اتّفاق وشيك، فإن التحدي الحقيقي سيكون في ضمان تنفيذه، وضمان ألا يكون هُدنةً مؤقَّتة؛ تمهيدًا لجولة جديدة من العدوان.
وحتى اللحظة، تبقى غزة الجريحة تكتُبُ بصمودها فصولَ التحدي، وتنتظر من العالم أن يسمع صُراخَ أطفالها ويقرأ رسائلَ دمائها التي تنزفُ منذ شهور.