قراءة في نتائج العدوان الأمريكي “الإسرائيلي” ضد إيران [الحقيقة لا غير]
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
30 يونيو 2025مـ – 5 محرم 1447هـ
تقريــر || عباس القاعدي
من المهم الوقوف مع مشهد الرد الإيراني واستهداف قاعدة العُدَيد الأمريكية في قطر ونتائجه وآفاقه وخلفياتها، وكذلك مع المرحلة المتقدمة التي وصل إليها العدوّ الإسرائيلي من الغطرسة والجرأة نتيجة تفرق الموقف العربي والإسلامي، وضعف وتخاذل الأنظمة العربية المطبِّعة والخائنة، التي تعتبر من أهم أسباب جرأة العدوّ الإسرائيلي وتماديه، وهي من تتيح له اختراق البلدان العربية، دون حدود أَو سقف.
إيران، الدولة المسلمة الكبيرة، التي تعرضت لعدوان إسرائيلي أمريكي؛ بسَببِ موقفها الداعم والمساند للقضية الفلسطينية ورفضها التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي، يعتبرها الكيان المؤقت مصدرَ دعم رئيسيًّا لحركات المقاومة، والتهديد الأكبر والأخطر على وجوده؛ ولهذا يسعى لاستغلال تداعيات أحداث (طُوفان الأقصى)، والخذلان العربي لغزة ولفلسطين لخوض معركته الأخيرة مع إيران.
ومن خلال العدوان الأمريكي والإسرائيلي على إيران، اتضح أن سقف العدوّ كان مرتفعًا، حَيثُ كان التخطيط والتجهيز للعدوان منذ سنوات وليس وليد اللحظة، لإسقاط النظام الإسلامي في إيران، وذلك من خلال ضربات مباغتة وتحريك خلايا داخلية، والاستفادة من الاختراقات الأمنية؛ بهَدفِ تمهيد الطريق لانتفاضات داخلية وخدمة مصالحهم، ومع ذلك، فشلت هذه المخطّطات بشكل كبير، ولم يتمكّن العدوّ من إسقاط النظام الإسلامي الإيراني، وفتح المجال أمام المرتزِقة والخونة ليكونوا أدوات في يد أمريكا و”إسرائيل”.
بعد ساعات قليلة من العدوان الإسرائيلي على إيران، استعادت الجمهورية الإسلامية زمام المبادرة، وبدأت في استهدافِ كيان العدوّ الإسرائيلي بشكل مكثّـف بالصواريخ المدمّـرة؛ مما أَدَّى إلى وضع حرج للكيان المؤقت الذي تلقى ضربات قاسية على مدار الأيّام الماضية، وجعل المجرم نتنياهو يستنجد بأمريكا مرارًا، لكن الأخيرة كانت في حيرة بين الدخول في مواجهة مباشرة أَو التفرج على “إسرائيل” تتلقى الضربات، ولكنه وبعد أن تحدث عن مهلة أسبوعين، أعلن ترامب عن تدمير المنشآت الإيرانية، لكنه في الواقع لم يحقّق تدمير البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل، بل تضرر جزئيًّا، مع وجود مواقع محصنة وإجراءات إيرانية احترازية.
وفي الوقت ذاته بدأت إيران عملية تنظيف جسدها من الاختراقات التي نفذها العدوّ، وركزت على دراسة نقاط الضعف والثغرات؛ مما زاد من وحدة الشعب الإيراني، ووجَّهت ضربة نفسية ومعنوية لخطط العدوّ، حَيثُ كشفت العديد من الجواسيس والعملاء، وتم القبض على الكثير منهم، وبالتالي فَــإنَّ الرد الإيراني على العدوان الأمريكي باستهداف قاعدة العديد في قطر، كان رَدًّا غير موجَّه ضد قطر كشعب، وإنما للأمريكي الذي سارع إلى إعلان وقف إطلاق النار.
العدوّ الإسرائيلي فشل في تحقيق أهدافه المعلنة، والمتمثلة في القضاء على البرنامج النووي الإيراني، وفي تفجير الأوضاع داخل إيران، وفشل في إسقاط النظام الإسلامي، وفي المقابل تكبد خسائر مادية كبيرة وتدهورًا أمنيًّا واقتصاديًّا، مع نزوح عشرات الآلاف من الصهاينة، وتوقف الحياة وتدهور الوضع النفسي؛ مما دفع المجرم نتنياهو لطلب المساعدة من أمريكا، سواء بالتدخل أَو بوقف الحرب، بالإضافة إلى ذلك فَــإنَّ الصواريخ الإيرانية أحدثت انهيارات كبيرة في العمق الإسرائيلي، وأدت إلى توقف الحياة، وأظهرت عجز كيان العدوّ الإسرائيلي عن خوض حروب طويلة، حَيثُ يعتمد على الحروب الخاطفة التي ثبت فشلها أمام قدرات إيران الاستراتيجية، ناهيك عن الخيارات الاستراتيجية التي لم تستخدمها إيران، مثل ضرب القواعد الأمريكية أَو إغلاق مضيق هرمز أَو استهداف مصادر النفط؛ مما دفع أمريكا إلى وقف إطلاق النار بسرعة.
بدأت إيران من النقطة التي انتهى إليها العرب، الذين شهدوا في بداية الثمانينيات تراجعًا كَبيرًا في موقفهم تجاه عقيدة العداء لـ “إسرائيل” وتمسكهم بالقضية الفلسطينية، حَيثُ بدأت بعض الأنظمة العربية في إقامة علاقات سرية مع “إسرائيل”، وفي تلك الأثناء، اندلعت في إيران ثورة إسلامية قوية هزت منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره، وكانت هذه الثورة صارمة في موقفها من العداء لـ (إسرائيل) ودعمها للشعب الفلسطيني، وكانت القضية الفلسطينية ودعم المجاهدين في المقاومة في فلسطين من أهم القضايا التي تبناها الإمام الخميني -رضوان الله عليه- والثورة الناشئة.
الإمام الخميني قدّم رويةً وتصورًا واضحًا للحَلِّ في القضية الفلسطينية، بينما الثورة الإسلامية في إيران أوجدت مشروعًا لمواجهة العدوّ الإسرائيلي؛ ولهذا كانت إيران تعمل على دعم وتقوية حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، بينما كانت الأنظمة العربية تتجه نحو التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي، وتنسق معه بشكل سري وعلني، وترفع قضية فلسطين كشعار فقط، ومع مرور الوقت، كانت تزداد الهُوة بين موقف إيران وحركات المقاومة من جهة، وبين الأنظمة العربية من جهة أُخرى، خَاصَّة النظام السعوديّ الذي كان ينزعج من دعم إيران للشعب الفلسطيني والمقاومة، لكنه لم يكن يجرؤ على إظهار ذلك بشكل علني، بل كان يوجه اتّهامات زائفة لإيران بالتدخل في الشؤون العربية، ودعم الإرهاب، وتهديد الأمن القومي العربي، في حين أن إيران كانت تسعى لتنسيق العلاقات مع الدول العربية، لكن الخلاف كان في موقفها من القضية الفلسطينية ودعم حركات المقاومة.
وفي المقابل، أصبحت الأنظمة العربية تتخذ مواقف شكلية وشعارات فقط، وتنسق مع (إسرائيل) بشكل غير معلن، بينما إيران كانت ثابتة في دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية؛ مما جعل الشعوب العربية تتعاطف مع إيران، وتؤمن بموقفها؛ الأمر الذي أَدَّى إلى تصعيد المواجهة بين إيران وهذه الأنظمة، التي بدأت تشيطن إيران وتحرِّض ضدها، وتتهمها بالتدخل في الشؤون العربية، ودعم الإرهاب، وتقويض السلام؛ وهوَ؛ ما أَدَّى إلى تراجع مكانة الحكومات العربية أمام شعوبها، وهذا كان؛ بسَببِ دعم إيران للمقاومة في فلسطين ولبنان، واتجهوا هم في النهاية ليصنفوها بالإرهاب.
وفي سياق ذلك، كانت سوريا بقيادة حافظ الأسد ترفض التطبيع مع (إسرائيل)، وتتمسك بالتحالف مع إيران، بينما نشأ حزب الله في لبنان، وحقّق انتصارات مهمة على (إسرائيل)، منها تحرير جنوب لبنان في عام 2000، ونجاحه في حرب 2006؛ مما جعله لاعبًا إقليميًّا قويًّا، وكوَّن تحالفًا استراتيجيًّا يضم إيران، سوريا، لبنان، وحركات المقاومة الفلسطينية، وهو ما شكَّل محور المقاومة الذي يزدادُ قوة وعددًا، ويعبّر عن موقف شعبي عربي داعم للمقاومة، ويقوِّضُ النفوذَ العربي الرسمي الذي يتجه نحو التطبيع مع (إسرائيل)، ويؤكّـد أن محورَ المقاومة يمثل قوة استراتيجية رادعة، ويشكل تحديًا كَبيرًا للمشروع الإسرائيلي والأطراف العربية التي تتعاون معه سِرًّا وعلنًا.
ولهذا وفي مقابل محور المقاومة الذي تبنَّى القضية الفلسطينية ودعم مقاومتها، شكَّل الأمريكيون وحكام العرب “محور الاعتدال”، الذي شمل الأنظمة المطبعة مثل السعوديّة، مصر، الإمارات، المغرب، البحرين، والسعوديّة، وتبنى سياسة التنازل والتطبيع مع (إسرائيل).
ومع مرور الوقت أصبحت استراتيجية التطبيع تتدرج بشكل تدريجي، وُصُـولًا إلى إعلان ما يسمى بـ”اتّفاق أبراهام”، وهو التطبيع العلني والشامل، والذي يتجاوز حدود الاتّفاقات التقليدية ليشمل اختراق المجتمع الإسرائيلي للشعوب العربية، من خلال فتح الأبواب للتعاون والتنسيق في مختلف المجالات، ودمج الأجيال العربية والأطفال مع أطفال اليهود في المدارس؛ بهَدفِ خلق فكر عربي يعترف باليهود كشركاء وليس أعداء، مع التركيز على إيران التي أصبحت عدوًّا رئيسيًّا؛ لأَنَّها تدعم فلسطين وحركات المقاومة؛ ولهذا فَــإنَّ الإمارات كانت نموذجًا لهذا التوجّـه، حَيثُ افتتحت ما يسمى بالمعبد الإبراهيمي الذي يدمج بين المسجد والكنيس والمعبد اليهودي، في إطار مخطّط أمريكي إسرائيلي يهدف إلى كسر العزلة والمقاطعة العربية، وخلق اختراق شامل للشعوب العربية، وتحويل المنطقة من منطقة مقاومة أَو مطالبة بتحرير فلسطين، إلى منطقة يُنظر إليها على أنها إرهاب يُقابل بمحاربة واعتقال المعارضين، وتضييق الخناق على الحركات المقاومة.
“الاتّفاق الإبراهيمي” بالصورة الإماراتية كان خطوة أولى، تلتها دول عربية أُخرى مثل المغرب، البحرين، والسعوديّة، التي اعتبرها الإسرائيليون والأمريكيون “جائزة كبرى” في سياق مشروع (الشرق الأوسط الجديد)، حَيثُ اعتبروا أن تطبيع السعوديّة مع (إسرائيل) يمثل لحظة تاريخية، ويؤدي إلى نهاية مفهوم العالم العربي المستقل، ويجعل أمر القضية الفلسطينية منسيًّا؛ إذ إن السعوديّة تعتبر محورًا مركزيًّا، وَإذَا طبعت فَــإنَّ باقي الأنظمة ستتبعها؛ مما يضعف المقاومة ويقوّي النفوذ الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن سياسة التطبيع كانت تتم بشكل متسارع وخطير، مع تواطؤ من قبل بعض الأنظمة، خَاصَّة النظام السعوديّ، الذي يُنظر إليه على أنه يجهِّزُ لمرحلة التمكين والسيطرة، وأن هذه السياسات أَدَّت إلى تصعيد الفجوة بين محور المقاومة الرافض للتطبيع، الذي يلتزم بالدفاع عن فلسطين، وبين محور الخيانة الذي أصبح يُطلق عليه “سَفاحًا” مع العدوّ الإسرائيلي، ويخفي خيانة التطبيع من خلال خطاب مضلل، إلا أن عملية (طُوفان الأقصى) 7 أُكتوبر 2023م جاءت وأفشلت كُـلّ المخطّطات الإسرائيلية والأمريكية، غيَّرت مسارَ المنطقة، حَيثُ أصبحت تتجه نحو مسار مختلف عن المخطّطات الأمريكية والإسرائيلية، وأصبحت كذلك على أعتاب مرحلة جديدة تتجاوز السياسات التقليدية، مع تزايُد الوعي الشعبي وتغيُّر موازين القوى.
(طُوفان الأقصى) عملية مفاجِئةٌ غير متوقعة وصادمة لم تكن فقط للعدو الإسرائيلي، بل أخلت التوازناتِ وأعادت ترتيب الأوراق على مستوى العالم، خَاصَّة في الولايات المتحدة وأنظمة التطبيع العربية التي كانت قد أعدت بشكل كبير ليوم إعلان التطبيع أَو زفاف السعوديّة إلى (إسرائيل)، حَيثُ كانت التحضيرات تشمل حجز القاعات وترتيب التصورات، مع استعداد السعوديّة لعقد تحالفات جديدة تضع ابن سلمان في موقع قيادي كأنه إمبراطور العرب والمسلمين، أَو كأنه ملك ملوك العرب، ليقود العرب والأمة الإسلامية، في حين أن (إسرائيل) تعتبر طرفًا آخر في هذه المعادلة، وتدخل المنطقة في إطار سلام وشراكة معها.
وسيكون لنظام آل سعود، دور في هذه المرحلة، التي تهدف إلى محاربة الهُوية الوطنية للأُمَّـة وصناعتها من جديد، بحيث لا تُعتبر (إسرائيل) عدوًّا، بل جزءًا من رؤية حضارية وترفيهية، حَيثُ وصف ابن سلمان هذا التحول بأنه سيحول المنطقة إلى نسخة من أُورُوبا، وهو حلم وردي يعكس تصورًا لمشروع يهدف إلى تحديث المنطقة وتحويلها إلى قوة حضارية حديثة. ومع ذلك، يُعتبر هذا الحلم بمثابة أوهام؛ لأَنَّ اليهود لديهم مشروع آخر، وهو السيطرة على الحجاز والمدن المقدسة، ثم إقامة “المملكة اليهودية الكبرى” التي تمتد من الفرات إلى النيل، وهو مشروع ديني ووطني يراه اليهود كجزء من عقيدتهم، ويعتبرون تحقيقَه نبوءةً دينية.
عملية التطبيع مع الأنظمة العربية الحالية ليست إلا مرحلة تمهيدية للوصول إلى هذا الهدف النهائي، والعلاقة الحالية ليست نهاية الطموحات الإسرائيلية والأمريكية، وإنما مُجَـرّد خطوة في مسار أوسع، حَيثُ يسعى اليهود لاختراق المجتمعات العربية بشكل تدريجي، قبل أن يتم رسم خارطة سياسية جديدة للمنطقة، تكون خاضعة أَو محكومة ليس فقط لأمريكا، بل لمملكة اليهود الكبرى، التي تعتبر أن تحقيق هذه الأهداف الدينية والسياسية هو جزء من مخطّطهم لتحقيق السيطرة الكاملة على المنطقة، وأن هذه المرحلة تتسم بأنها ليست إلا بداية لمشروع أكبر يهدف إلى السيطرة المطلقة، مع دفع الثمن من قبل شعوب المنطقة.
هذه أهداف اليهود التي أصبحت واضحة بشكل علني، باتوا يعملون على تحقيقها، حَيثُ كانوا يخفونها في العقود السابقة، لكن اليوم يعبّرون عنها بشكل طبيعي، وفي المقابل، كان محور المقاومة ثابتًا على موقفه، والشعوب العربية ثابتة على موقفها الرافض للتطبيع مع العدوّ الإسرائيلي، والمتمسك بفلسطين، ومدركة لخطورة المشروع الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته كانت حركات المقاومة تتابع وتدرس التحولات الإقليمية وتأثيرها على القضية الفلسطينية، مع العلم أن أبرز ضحايا الارتماء الخطير للأنظمة العربية في الحضن الصهيوني الأمريكي، والتوجّـه العربي نحو التطبيع هي القضية الفلسطينية، التي يُراد قتلها ودفنها بشكل نهائي.
قبل ذلك، كانت بعض الأنظمة العربية تدّعي أنها تطبِّع مع اليهود؛ مِن أجلِ حَـلّ القضية الفلسطينية، لكن بعد التغييرات في السعوديّة ووصول ابن سلمان إلى الحكم، ووصول ابن زايد للحكم في الإمارات، فتحت أبوابُ التطبيع على مصاريعها، بغضِّ النظرِ عن القضية الفلسطينية، واستمرار الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، وتهديد المسجد الأقصى، حَيثُ تصاعدت الأصوات الصهيونية التي تدعو إلى هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل اليهودي مكانه.
ولمواجهة هذه التطورات والتهديدات الخطيرة، قرّر الجناح العسكري في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) توجيه ضربات تاريخية حاسمة للعدو، ولخلط الأوراق وقطع الطريق على محاولات التطبيع والنفاق داخل الأُمَّــة، وأدى ذلك إلى إرباك العدوّ، وإفشال مخطّطات أنظمة التطبيع العربي، ودخول المنطقة مرحلة جديدة من المقاومة، حَيثُ شكّل (طُوفان الأقصى) مفاجأة وأربك حسابات العدوّ، وأفسد على أنظمة التطبيع أحلامها.
لم يكن (طُوفان الأقصى) مُجَـرّد مغامرة، كما يراه البعض من خلال نتائجه التي تُظهِر تكلفته على الناس، بالعكس، كان (طُوفان الأقصى) ضرورة ملحة، وحدثًا إلهيًّا يحمل في طياته تداعيات مستقبلية؛ لذلك، فَــإنَّ هذا الطوفان سيجبر الجميع على دفع الثمن، خَاصَّة أُولئك الذين خانوا وتهاونوا ولا يزالون يفعلون، وباندلاع هذا الطوفان فقد تلقى العدوّ الإسرائيلي ضربة تاريخية غير مسبوقة، أسقطت نظرية تفوقه العسكري والأمني والاستخباراتي.
إن عملية (طُوفان الأقصى) أعادت قضية فلسطين إلى صدارة الاهتمام مجدّدًا، بعدما كانت تُدفع إلى الهامش، هذه العملية أسهمت في وقف مسيرة الخيانة والتطبيع، ولو لفترة غير محدّدة، ووجدت الأنظمة المطبعة الداعمة لـ (إسرائيل) نفسها في موقف محرج للغاية، كما نجحت (طُوفان الأقصى) في توحيد الشارع العربي والإسلامي حول القضية الفلسطينية وحركات المقاومة، وأعطت هذه العملية زخمًا وحضورًا أكبر لمحور المقاومة بين الشعوب العربية والإسلامية.
الشهيد محمد الضيف يشرح خلفيات وأسباب عملية (طُوفان الأقصى) التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، والتي كانت بمثابة ضربة قوية وصادمة للعدو الإسرائيلي، حَيثُ أصابت العدوّ بالصدمة لعدة أَيَّـام لم يتمكّنوا من استيعابها، قبل أن يستعيدوا وعيهم ويبدأوا مرحلة المواجهة من داخل المستوطنات والقواعد العسكرية التي اقتحمتها المقاومة، وأسفرت عن قتل العديد من الضباط والجنود الإسرائيليين.
وفي هذا الهجوم كانت غزة بحاجة إلى دعم وإسناد من المجتمع العربي والأمة بشكل عام، إلا أن الانقسامات العربية حالت دون ذلك، حَيثُ إن معظم الحكام العرب كانوا يدورون في فلك اليهود ويسعون إلى التطبيع مع (إسرائيل) بشكل علني، ويعتبرون (طُوفان الأقصى) تهديدًا لمصالحهم، بل واعتبروه بمثابة معادلة أوقفت مسار التطبيع وبناء الشرق الأوسط الجديد، وكانوا يساندون العدوّ الإسرائيلي من خلف الكواليس، ويعملون على القضاء على حماس وعدم وقف العدوان الإسرائيلي حتى تحقيق الأهداف الصهيونية.
وفي المقابل، كان محور المقاومة، يراقب التطورات، ثم انخرط في معركة الإسناد، حَيثُ قام حزب الله في لبنان، بشن هجمات على القوات الإسرائيلية، ووجّه ضربات موجعة للعدو؛ مما أَدَّى إلى تهجير حوالي نصف مليون إسرائيلي من شمالي فلسطين المحتلّة، كما استفاد اليمن من موقعه الجغرافي البحري ليصبح من أبرز جبهات الدعم للمقاومة، رغم بُعد المسافة بين اليمن وفلسطين، إلا أن الإرادَةَ والصدقَ في الموقف تغلَّبا على العقبات الجغرافية؛ مما ساهم في تعزيز موقف المقاومة وفرض توازن في المواجهة مع العدوّ الإسرائيلي.
قبل عملية (طُوفان الأقصى)، كان اليمن قد أصبح إضافة مهمة ونوعية لمحور المقاومة؛ ونتيجة لذلك، جاء (طُوفان الأقصى) ليضع اليمن في مرحلة جديدة من التأثير المباشر والفاعلية في دعم ومساندة الشعب الفلسطيني وغزة، بالقول والفعل، حَيثُ تم الإعلان عن مراحل الدعم المتتالية، والتي بدأت من القصف المباشر على العدوّ الإسرائيلي، ثم شملت منع الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر وباب المندب. وبعد ذلك، شهدت مراحل الدعم اليمنية تصاعدًا متتاليًا وُصُـولًا إلى المرحلة السادسة.
لقد فاجأ دخول اليمن لدعم غزة الجميع في المنطقة والعالم، ولكنه كان مصدرًا للارتياح والسرور لدى الشعوب العربية والإسلامية؛ لأَنَّه جاء من دولة عربية وشعب مسلم معروف بالإيمان والحكمة، وقد كان اليمن، من خلال مواقفه ومواقف قيادته وشعبه، رمزًا للأُمَّـة، حَيثُ شعر الأحرار في جميع أنحاء العالم بأن الشعب اليمني يمثّلهم ويعبّر عن مواقفهم.
لذا، فَــإنَّ الموقف اليمني يحمل معانيَ ونتائجَ هائلة تتجاوز البُعد العسكري المباشر، بما في ذلك الأهميّة الكبيرة للنتائج التي حقّقها ضد العدوّ الإسرائيلي، لقد أَدَّت الجهود اليمنية إلى تكبيد العدوّ خسائرَ فادحةً؛ نتيجة الحصار الاقتصادي؛ ولذلك، فَــإنَّ موقف اليمن سيظل ثابتًا حتى إنهاء العدوان والحصار المفروض على غزة.
في المشهد العاملم يتبقَّ إلا اليمن، وبقيت إيران ثابتةً في موقفها كمسانِد للشعب الفلسطيني وحركات المقاومة؛ مما جعل العدوّ الإسرائيلي يرى في سقوط نظام الأسد وتوقيعِ اتّفاقات مع الحكومة اللبنانية، وتراجع المقاومة في العراق فُرصةً لإضعافِ محور المقاومة بشكل أكبر، خَاصَّةً أن إيران أصبحت وحدَها في مواجهة التحديات، وأصبح العدوُّ في مأمنٍ من ردود فعل قويةٍ من لبنان وسوريا والعراق. بناءً على ذلك، قرّر العدوُّ الإسرائيلي تنفيذَ مغامرةٍ وشن عدوان على إيران، معتقدًا أن ذلك فرصةٌ تاريخية، وفي المقابل فَــإنَّ حساباتِ العدوّ السابقة كانت خاطئة، وأن المقارناتِ بين إيران ودول أُخرى مثل لبنان وغزة وسوريا غيرُ منطقية؛ إذ إن إيران بلد كبير وشعبه عريق، وقد صمدت أمامَ حرب ثماني سنوات، وانتصرت واستطاعت بناءَ قدراتها العسكرية والاقتصادية والبشرية؛ ولهذا فَــإنَّ رهانَ العدوّ الإسرائيلي على غاراته وقدراته التدميرية كان فاشلًا.