الخبر وما وراء الخبر

عيدُ الغدير.. ميثاقُ الأمة وعهدُ القيادة

95

ذمــار نـيـوز || مـقـالات ||
14 يونيو 2025مـ – 18 ذي الحجة 1446هـ

بقلم// إبراهيم الحبيشي

في ظل التحديات المتسارعة التي تواجهها الأُمة الإسلامية، ووسط تصاعد مشاريع الهيمنة والاستلاب الثقافي، تعود إلينا مناسبة عيد الغدير الأغر لا كذكرى دينية فحسب، بل كمنعطف تاريخي شكل بوصلة الهدى، ومعيار الولاء، وبداية التأسيس لمشروع الدولة الإيمانية العادلة.

ففي غدير خم، أعلن رسول الله محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- قرار السماء: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»، ليكتمل بذلك البناء الإلهي، وترسم ملامح القيادة من بعده، ويغلق باب الاجتهاد في مسألة من أخطر المسائل: من يقود الأمة بعد النبي؟ وقد اقترن هذا الإعلان بقوله تعالى: “اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينًا”، فكان عيد الغدير هو عيد الكمال والتمام، ومناسبة إعلان العهد بين الأمة وقيادتها الربّانية.

ولا تزال هذه المناسبة، رغم محاولات الطمس والتهميش عبر التاريخ، تشكّل نقطة ضوء في المسار الإسلامي، وتعيد تصحيح المفاهيم لمن أرهقهم ضجيج السياسة وأتعبتهم دوائر الانحراف. ففي ولاية الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام- تتجلى أعظم دروس العدالة والحكمة، وتستقى مبادئ الحكم الرشيد من عهده لمالك الأشتر، وهو الوثيقة التي أعادت قراءتها اليوم قوى الوعي والنهضة في محاور الصمود والمقاومة، لتعيد صياغة مشروع الدولة على أسس قرآنية وأخلاقية ثابتة.

في عالمنا المعاصر، وبينما يشتد الخناق على الشعوب، وتتكشف أقنعة التطبيع والخيانة، يثبت معسكر الولاية أنه المعسكر المتماسك والثابت، الذي يصوغ مواقفه من منطلقات إيمانية وتكليفية، لا من حسابات آنية أو مصالح ضيقة. ويكفي أن ننظر إلى تجارب المقاومة والصمود في أكثر من ساحة، لنفهم أن الغدير ليس حدثا من الماضي، بل عنوانا حيويا لحاضر يتشكل ومستقبل يراد له أن يبنى على أساس متين.

إن إحياء عيد الغدير اليوم هو تجديد للعهد، وتأكيد على خيار الارتباط بالهدى الإلهي، والالتزام بخط الرسالة كما رسمه النبي الأعظم، وكما سار عليه الإمام علي وأعلام الهدى من بعده. وهي مسؤولية تقع على عاتق كل من يريد للأمة أن تنهض، وللدين أن يطبق كما أنزل، لا كما حرف عبر الأهواء والانحرافات السياسية.

في الغدير، تتحد القلوب قبل الكلمات، وتنبعث روح الأمة من جديد، لتقول كلمتها في زمن اختلطت فيه الأوراق، وتاهت فيه البوصلات.

وما أحوجنا اليوم إلى هذه المناسبة، كي نستعيد بها بوصلة الحق، ونمضي بثقة على طريق العزة والكرامة.
وما النصر إلا من عند الله.