الخبر وما وراء الخبر

سفينة “مادلين”.. والعار الذي يُبحر فينا!

4

ذمــار نـيـوز || مـقـالات ||
9 يونيو 2025مـ – 13 ذي الحجة 1446هـ

بقلم// رقية الصفي الشامي

في فجر هذا اليوم، بينما كانت الأمة العربية تغط في سباتٍ عميقٍ من الغفلة، كان على سطح البحر مشهدٌ لا يشبه صمتنا، ولا يُشبه عجزنا، ولا يليق بجبننا المتواطئ!

سفينة صغيرة، تُدعى “مادلين”، تحدّت بحرًا من الحصار وبحرًا أكبر من الخذلان، وأبحرت نحو غزة العزة، وعلى متنها حفنةٌ من أحرار العالم، لا يتحدثون العربية، ولا يعرفون عن المجازر في غزة ما نعرفه، لكنهم امتلكوا ما لم نمتلك: الضمير.

على متن “مادلين”، لم يكن هناك صواريخ ولا بنادق، بل حليبٌ للأطفال، وطحينٌ للجياع، ودواءٌ لمرضى يُصارعون الموت في مشافي بلا كهرباء ولا ماء. أبحرت السفينة لا كقطعة خشب في الموج، بل كصفعةٍ على وجوه الملوك والرؤساء والصامتين والمبررين واللاهين.

لكنها لم تُكمل الرحلة.

لقد اعترضتها البحرية الإسرائيلية، في عرض البحر، في انتهاكٍ صارخٍ للقانون الدولي. لم يكن ذلك مفاجئًا، بل المؤلم أن لا أحد تحرّك. لم تُعلن دولة عربية واحدة استنكارًا صريحًا. لم يُسحب سفير، لم يُقطع نفط، لم يُغلق مكتب إسرائيلي، ولم تهتز كراسي الزعماء.

هل تعلمون من كانوا على متنها؟

ناشطون أجانب.. فتيات شابات لا يعرفن “النكبة” ولا “الانتفاضة”، لكن قلوبهن احترقت لما رأين من صور أطفالنا في غزة.

يا أمة العرب، أما آن لكم أن تخجلوا؟!
أما آن لقادتكم أن ينطقوا؟ أما آن لمطاراتكم أن تُغلق في وجوه القتلة؟ أما آن لثرواتكم أن تخدم قضيةً تستحق الحياة؟

سفينة “مادلين” ليست مجرد قارب.
إنها مرآة.
مرآةٌ كبيرة، كشفت قبح الصمت، وجبن الخوف، وخيانة التاريخ.

غزة اليوم ليست بحاجة فقط لطعام ودواء.. غزة بحاجة لأمة تعود إلى رشدها، لأمة تُعيد تعريف الشرف، لأمة تُعيد قراءة سورة الإسراء فتفهم أن العدوّ لا يرتدع بالتطبيع، ولا يرحم الأطفال لأنك عقدت معه اتفاقيات الغاز.

أيتها الأمة، اسمعيها جيدًا:
إن لم تكونوا سفنًا لغزة، فلا تكونوا صخورًا في وجه من أبحروا إليها.
دعوا “مادلين” تُوقظ ما تبقى من إنسان في هذا الجسد العربي المثخن.
دعوا دموع الحرائر فيها تصفع وجوهنا، لعلنا نفيق.

ويا غزّة..
أنتِ لستِ وحدكِ. فهناك من لا يُصلي صلاتنا، ولا يتكلم لغتنا، لكنه سجد لله فيكِ، حين خذلناك.