اليمن يهين أمريكا ويقلب موازين الردع رأسًا على عقب
ذمــار نـيـوز || تقارير ||
29 مايو 2025مـ 2 ذي الحجة 1446هـ
تقرير|| إبراهيم الديلمي
لطالما اعتُبرت الولايات المتحدة الأمريكية القوة العسكرية الأكبر عالميًا، بما تملكه من قواعد عسكرية منتشرة حول العالم، وأسطول بحري متقدم، وتقنيات استخباراتية لا مثيل لها. غير أن ما جرى مؤخرًا في البحر الأحمر وخليج عدن أعاد طرح سؤال مهم: هل ما زالت أمريكا تفرض هيبتها كما في السابق؟
فمع التصعيد الإقليمي في أعقاب العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، برزت القوات المسلحة اليمنية كلاعب وحيد غير تقليدي في مواجهة العدو الإسرائيلي، استطاع أن يفرض واقعًا جديدًا، بل ويحرج الولايات المتحدة علنًا في أكثر من مناسبة، عبر عمليات وصفت بأنها إهانة مباشرة للهيبة الأمريكية.
عمليات اليمن المساندة لغزة:
كنتيجة مباشرة للعدوان والحصار الإسرائيلي على قطاع غزة؛ بدأت القوات اليمنية عملياتها العسكرية في عمق كيان العدو الإسرائيلي، وبعد ذلك أعلنت بلسان متحدثها الرسمي العميد يحيى سريع قرار حظر الملاحة الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي، مؤكدة أنها سوف تقوم باستهداف السفن الإسرائيلية والسفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، سواء بالملكية أو الوجهة، وبالفعل نفذت العديد من العمليات العسكرية البحرية والجوية مؤكدة أن عملياتها ستستمر، وأنها لن تتوقف عن مساندتها لغزة حتى يتوقف العدوان والحصار الإسرائيلي على غزة، وسرعان ما توسعت هذه العمليات لتشمل إلى جانب الاستهداف المباشر للعمق الصهيوني بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة ما يلي:
استهداف سفن تجارية دولية متجهة صوب الموانئ الفلسطينية رغم الحماية الأمريكية.
تهديد حرية الملاحة الإسرائيلية في ممر استراتيجي عالمي هو باب المندب.
فرض قواعد اشتباك جديدة، أربكت التحالف الأمريكي الذي قاد عملية “حارس الازدهار” لحماية الملاحة الإسرائيلية وفشل.
استهداف البوارج والمنشآت الأمريكية.
كل هذه التحركات شكلت ضربة لهيبة أمريكا البحرية، التي لطالما اعتُبرت حامية “حرية التجارة الدولية”. فبحسبموقع “UnHerd” البريطاني اليوم: “إن “الحوثيون” فضحوا تراجع القوة الأمريكية وأهانوا الولايات المتحدة.”
وما يدعم ذلك هو استهداف البوارج والمنشآت البحرية الأمريكية في البحر الأحمر الذي كان بالنسبة للولايات المتحدة سابقة خطيرة للقوات المسلحة اليمنية (محدودة التسليح والموارد)، خاصة وأن هذا الاستهداف يأتي في إطار عمليات الإسناد المستمر لغزة، وقد جاء هذا الاستهداف على شكل هجمات بالصواريخ الفرط صوتية والطائرات المسيرة على بوارج أمريكية، وصفت بحسب الإعلام الأمريكي واعترافات ضباط وقادة عسكريين أمريكيين كبار عايشوا هذه الهجمات، بأنها كانت هجمات مدروسة بعناية وبثت الرعب في صفوف الجيش الأمريكي يقولقائد المدمرة الأمريكية “يو إس إس ستوكديل” جاكوب بيكلهايمر بحسب موقع “بيزنس إنسايدر” الأمريكي: “قلبي كان يخفق بسرعة عندما تعرضت سفينتي الحربية لنيران “الحوثيين” للمرة الأولى.”
ويضيفبيكلهايمر مبينًا مدى دقة الهجمات اليمنية قائلا: “مشهد إطلاق صاروخ أرض – جو فعلياً وليس في تدريب لا يُضاهيه شيء”.
الفشل الأمريكي في الردع وتحقيق الهدف:
كشف فشل الدفاعات الأمريكية في اعتراض الصواريخ والمسيرات اليمنية، سوأة الجيش الأمريكي المتمثلة في محدودية قدرات الردع الأمريكية وعجزها عن ردع القوات المسلحة اليمنية في بيئة بحرية معقدة،فالعمليات العسكرية اليمنية في البحر الأحمر لم تكن مجرد “مناوشات”، بل مثلت تحديًا مباشرًا للقوة العسكرية الأمريكية في المنطقة.
أيضًا ورغم التصعيد والعدوانالأمريكيالعسكري -بأحدث أنواع الأسلحة- الذي شُن على اليمن مطلع مارس الماضي، إلا أن الولايات المتحدةلم تنجحفي تحقيق هدف واحد من أهدافها الثلاثة التالي ذكرها:
ردع القوات اليمنية عن الاستمرار في عملياتها، التي توسعت لتشمل بحر العرب.
تحقيق نصر إعلامي أو عسكري واضح، ما قوّض هيبة الردع الأمريكية.
منع تصاعد التحالف الشعبي اليمني مع محور المقاومة، ما أظهر أن اليمن لم يعد معزولًا، بل بات جزءًا من معادلة إقليمية جديدة.
وحتى مع تنفيذ الولايات المتحدة لضربات جوية داخل الأراضي اليمنية، فإن القوات اليمنية أعلنت استمرارها وتصعيدها، مما أحرج واشنطن أمام حلفائها وأعدائها في آن واحد.
وإلى جانب الأثر العسكري، أدت هذه التطورات إلى تأثير سياسي ودولي يتجلى فيما يلي:
اهتزاز صورة أمريكا كضامن للأمن الإقليمي، لا سيما أمام دول الخليج.
إثارة موجة من التساؤلات في الإعلام الغربيحول حدود القوة الأمريكية.
ارتفاع أسهم القوات المسلحة اليمنية سياسيًا، باعتبارها قوة فرضت معادلة ردع في وجه الولايات المتحدة
مغزى “الإهانة” في ميزان القوة:
ذكر موقع “UnHerd” البريطاني اليوم، أن “الوصف الأدق لصفقة ترامب في اليمن هو الاستسلام الأميركي، لأن من رفع راية الاستسلام لم يكن “الحوثيين” في إشارة إلى أنه هو من استسلم عندما اضطر لوقف عدوانه على اليمن قبل أن يحقق هدفه المنشود وقف العمليات المساندة لغزة.
وأشار الموقع إلى أن “عهد هيمنة واشنطن العسكرية بات وشيك الانهيار؛ لعدم فاعلية سلاح الجو وعدم امتلاك أمريكا بدائل تعوض هذا العجز.” وكلمة “إهانة” هنا لا يُقصد بها إهانة تقليدية، بل هي أكبر من ذلك بعيدًا وتعبير جلي عن مجموعة من النتائج تتمثل في:
تآكل صورة الهيمنة الأمريكية التي لطالما اعتمدت على الهيبة أكثر من الفعل.
نجاح قوة عسكرية محدودة الموارد في فرض معادلات جديدة.
تحول موازين القوة الإقليمية، إذ أصبحت الولايات المتحدة في موضع الدفاع لا الهجوم.
إن ما قامت به القوات اليمنية، خلال الأشهر الأخيرة، لم يكن مجرد تحرك عسكري معزول، بل مثل تحديًا مباشرًا وغير مسبوق لهيبة الولايات المتحدة في واحدة من أهم المناطق الجيوسياسية في العالم. وقد أثبت اليمن، رغم الحصار والحرب، أن الإرادة السياسية والميدانية قادرة على كسر هيبة القوة العسكرية الأكبر في العالم، في مشهد يعكس بداية تحوّل أوسع في موازين الردع الإقليمي والدولي