الخبر وما وراء الخبر

من تهديد “مطر الجحيم” إلى التراجع المُذِل.. كيف كسر اليمنيون غطرسةَ ترامب؟

2

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
11 مايو 2025مـ – 13 ذي القعدوة 1446هـ

تقريــر || محمد الأسدي

في واحدةٍ من أبرزِ فصولِ المواجهة بين اليمن والهيمنة الأمريكية، أطلق ترامب في 15 مارس 2025م، حملةً عسكريةً عدوانيةً تحت اسم “Rough Rider” ضد الشعب اليمني وقواته المسلحة، متوهِّمًا أن بإمْكَانه كسرَ إرادَة شعب يقاتلُ دفاعًا عن كرامته ودعمًا للقضية الفلسطينية.

لكن هذا العدوان، الذي بدأ بتهديداتٍ نارية ووعيدٍ بـ”مطر الجحيم”، انتهى بخيبةٍ أمريكية مُذِلَّةٍ، حَيثُ أجبرت القواتُ المسلحة اليمنية الباسلة ترامب على وقف عدوانه في 6 مايو 2025م، مكرِّسةً انتصارًا جديدًا لليمن في مواجهةِ أكبر قوة عسكرية في العالم.

تهديداتُ ترامب.. غطرسة سَرعانَ ما تبدَّدت:

استهلَّ ترامب حملتَه بتصريحات متغطرسة، معلنًا في 15 مارس عبر منصة Truth Social بَـــدْءَ العدوان العسكري، ومهدِّدًا الحوثيين -كما يسمِّيهم- قائلًا: “إلى جميع الإرهابيين الحوثيين، وقتُكم قد انتهى، ويجب أن تتوقفَ هجماتُكم بَدءًا من اليوم، وإلا ستمطرُ عليكم النار!”.

لم يكتفِ بذلك، بل وجَّهَ تهديداتٍ مباشرةً لإيران، زاعمًا أنها تقفُ وراءَ دعم اليمن، في محاولة لتبرير عدوانه وتصويرِ اليمن كأدَاة بيد قوى خارجية. وفي 4 إبريل، تفاخَرَ ترامب على نفس المِنَصَّة بأن “العديدَ من مقاتلي الحوثيين وقادتهم لم يعودوا موجودين”، متوهِّمًا أن ضرباته قضت على قدرات القوات المسلحة اليمنية.

لكن هذه التصريحات، التي حاول ترامب من خلالها إظهارَ قوته، سَرعانَ ما كشفت عن هشاشة استراتيجيته، فقد أظهرت القواتُ المسلحةُ اليمنية صُمُودًا أُسطوريًّا، حَيثُ واصلت عملياتِها البحرية ضد السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني والأهداف الأمريكية، رَغْمَ القصف الأمريكي المتواصل الذي استهدف مئاتِ المواقع في اليمن خلال سبعة أسابيع.

صمودُ اليمن.. مقاومةٌ أذهلت العالم:

في مواجهة الآلة العسكرية الأمريكية، أثبتت القوات المسلحة اليمنية أن الإرادَة والإيمانَ بالقضية أقوى من الصواريخ والطائرات.

ووفقًا للمتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، نفَّذت القواتُ البحرية والجوية اليمنية خلال الفترة من مارس إلى مايو 2025م، أكثَرَ من 77 عملية بطائرات مسيَّرة، و30 صاروخ كروز، و47 صاروخًا باليستيًّا، وصاروخًا مضادًّا للطائرات، استهدفت السفنَ الحربيةَ الأمريكيةَ والسفنَ التجارية المتجهة إلى موانئ الكيان الصهيوني.

كما أسقطت الدفاعاتُ الجوية اليمنية سبعَ طائرات أمريكية بدون طيار من طراز MQ-9 Reaper؛ ما شكَّلَ ضربةً موجعةً للقدرات الاستخباراتية الأمريكية.

لم تقتصر العملياتُ اليمنيةُ على البحر، بل امتدَّت إلى إطلاقِ صواريخَ وطائراتٍ مسيَّرة باتّجاه أهداف في الأراضي المحتلّة، في رسالة واضحة أن دعمَ اليمن لغزة لن يتوقَّفَ رغمَ العدوان.

هذه العمليات -التي نفَّذتها اليمنُ تحت القصف الأمريكي المكثّـف- كشفت عن مرونة عسكرية مذهلة وقدرة على إخفاء الأسلحة والتحَرُّك في بيئة معادية؛ ما أحبط محاولاتِ ترامب لكسر إرادَة الشعب اليمني.

خسائرُ أمريكية وخيبةٌ استراتيجية:

على الرغم من الدعاية الأمريكية التي روَّجت لـ “نجاح” الضربات، كشفت تقاريرُ دولية عن الفشل الذريع للحملة، شبكة (CNN) الأمريكية أفادت بأن العدوانَ “كلّف الخزينةَ الأمريكية حوالي مليار دولار في أقلَّ من ثلاثة أسابيع، مع تأثير “محدود” على القدرات العسكرية اليمنية”.

كما نقلت تقاريرُ عن انتقاداتٍ داخليةٍ في الإدارة الأمريكية، حَيثُ وصف نائبُ الرئيس جي دي فانس الضرباتِ بأنها “مضلِّلة” في مكالمة مسرَّبة، مُشيرًا إلى عدمِ جدواها.

في المقابل، امتصَّ الشعبُ اليمني هجماتِ العدوان؛ إيمانًا منه أن الثبات على الموقف لا بد له من تضحيات، حَيثُ أعلنت وزارة الصحة في صنعاء عن استشهاد 53 مدنيًّا وإصابة 98 آخرين جراء الغارات الأمريكية في الأيّام الأولى.

غير أن هذه الخسائر، وبدلًا عن أن تُضعِفَ الروحَ المعنوية -كما كان يتوقَّعُها الأمريكي- عزَّزت من وَحدةِ الشعب اليمني وتأييدِه لقواته المسلحة، والتي باتت رَمزًا للصمود في وجه الهيمنة الأمريكية.

التراجُعُ الأمريكي.. انتصارٌ يمني:

في الـ 6 من مايو 2025م، أعلن ترامب، في لقاءٍ مع رئيسِ الوزراء الكندي مارك كارني، وقفَ الضربات العسكرية ضد اليمن، في خطوةٍ كشفت عن هزيمته أمام اليمن قيادةً وشعبًا وجيشًا.

وقال ترامب بنبرةٍ يائسة: “لقد أعلنوا أنهم لا يريدون القتالَ بعد الآن.. قالوا: “من فضلك، لا تقصفونا، ولن نهاجِمَ سُفُنَكم”، ليتلقى صفعةً بلاغيةً من السيد القائد في كلمةٍ له، أمس الأول: “هذا هو المستحيلُ بذاته.. أبعدُ عليكم من عين الشمس”، كما أكّـدته الحشودُ اليمنيةُ المليونية، عصرَ الجمعة.

وبدا واضحًا أن هذا الإعلان -الذي جاء بعد وساطة عُمانية ناجحة- أكّـد أن القواتِ المسلحةَ اليمنية فرضت شروطها، حَيثُ وافق ترامب على وقف العدوان مقابلَ التزام اليمن بعدم استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، “دعونا نمُر”.

اللافت أن الاتّفاقَ لم يشمل التزامَ اليمن بوقف عملياته ضد الكيان الصهيوني، وهو ما أكّـدته القيادةُ اليمنية، بأن “دعمَ وإسناد أهلنا في غزة سيستمر حتى يتوقفَ العدوان الصهيوني”.

الانتصار اليمني، الذي أحرج ترامب وأجبره على التراجع، أثار صدمةً في أوساط الكيان الصهيوني، حَيثُ أعرب مسؤولٌ إسرائيلي عن استيائه من عدم إبلاغ واشنطن لتل أبيب مسبقًا بالقرار.

سُخرية من ترامب.. من “مطر الجحيم” إلى الإشادة بالشجاعة:

وفي محاولة لتجميلِ هزيمته، ذهب ترامب إلى حَــدِّ وَصْفِ أنصار الله بـ “الشجعان”، في تصريحٍ نُقل عبر منشورات على مِنصة “إكس”؛ ليثيرَ سُخريةً واسعةً في الأوساطِ اليمنية والعربية.

فقد علَّقَ الناطقُ الرسمي باسم أنصار الله، محمد عبد السلام، قائلًا: “ترامب بدأ بالتهديدِ بمطر النار، وانتهى يتوسَّلُ لوقفِ الضربات ويصفُنا بالشُّجعان. هذه هي قوةُ اليمن التي لا تُقهَر”.

وفي الشارع اليمني، تحوَّلت تصريحاتُ ترامب إلى مادَّةٍ للسخرية، حَيثُ يردّد المواطنون عبارات مثل: “من تهديد الجحيم إلى الإشادة بالشجاعة، هكذا يركعُ الأمريكي أمام إرادَة اليمن”.

اليمن يكتُبُ تاريخَ المقاومة:

فشلُ عدوانِ ترامب على اليمن ليست مُجَـرَّدَ هزيمة عسكرية، بل شهادةٌ على قوة الإرادَة اليمنية وصمودِ شعب يقاتِلُ؛ مِن أجلِ العدالة والكرامة.

لقد أثبتت القواتُ المسلحةُ اليمنيةُ أنَّها قادرةٌ على مواجَهة أعتى القوى العالمية، وأجبرت ترامب على التراجُعِ عن غطرسته، مكرِّسةً انتصارًا سيظلُّ محفورًا في ذاكرة الأُمَّــة.

ومع استمرار اليمن في دعم القضية الفلسطينية، يبقى السؤال: هل ستتعلَّمُ الولاياتُ المتحدة درسًا من هذا الفشل، أم ستظل تتوهَّــمُ أن بإمْكَانها كسرَ إرادَة شعبٍ لا يعرفُ الاستسلام؟