الخبر وما وراء الخبر

القدرات اليمنية المتصاعدة تربكُ حسابات البيت الأبيض في معركة البحر الأحمر

2

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
3 مايو 2025مـ – 5 ذي القعدوة 1446هـ

تقريــر || عباس القاعدي

يمارسُ العدوُّ الأمريكي منذ تجديدِ عدوانه على اليمن في 15 مارس الماضي سياسةَ الإنكار التام وعدم الإقرار بنتائج العمليات العسكرية اليمنية، محاولًا من خلال رواياته المتناقضة تبريرَ فشله، إلا أن الواقعَ يكشفُ الحقيقةَ الكاملة.

حيث صرَّحت البحريةُ الأمريكية في بيانٍ رسميٍّ أن “حاملةَ الطائرات (ترومان) فقدت طائرة F18، بالإضافة إلى جَرَّار سحب، خلال عملياتها في منطقة البحر الأحمر بتاريخ 28 إبريل الماضي”.

وأكّـد البيانُ الصادرُ عن البحرية الأمريكية أن “طائرة F18 تعرَّضت للفقدان أثناء السحب إلى مدرج الطائرات”، دون الإشارة إلى سبب السقوط، ولهذا، فَــإنَّ بيان البحرية استخدم تعبيرَ “فقدان” بدلًا عن “سقوط”، كما لم يذكر البيان أية تفاصيل عن تعرض الحاملة لهجوم، مكتفيًا بالقول: إن “عناصر البحرية فقدوا التحكم بالطائرة؛ مما أَدَّى إلى سقوطها مع الجرار في البحر”. أما بالنسبة لطاقم الطائرة، فقد أوضحت البحرية أنه “تم إنقاذهم، مع تسجيل إصابة طفيفة لأحد البحّارة”.

ولم يمضِ وقتٌ قصيرٌ على بيان البحرية الأمريكية السابق حتى جاءت شبكةُ CNN الأمريكية، بتفاصيل مختلفة ومعلوماتٍ تتعارضُ مع بيان البحرية الأمريكية.

وفي هذا الشأن يقولُ الخبير والمحلل العسكري العميد مجيب شمسان: إن “هناك تناقُضًا واضحًا بين الروايات الأمريكية بشأن سقوط طائرة F-18، حَيثُ تقولُ الرواية الأمريكية الأولى التي أشَارَت إلى أن طائرة F-18 كانت تحتَ السحب والتحريك على متن سطح الإقلاع، بينما قامت حاملةُ الطائرات بمناورة حادة أَدَّت إلى سقوطها، وهناك فرقٌ كبيرٌ بين أن تكونَ الطائرة على سطح الإقلاع وبين أن تكونَ في الحضيرة كما جاء في بيان الرواية الثانية في البيان اللاحق”.

ويضيف أن “هناك تناقُضًا كَبيرًا جِـدًّا؛ إذ إن وجودَ الطائرة على سطح الإقلاع ونتيجة الضغط العملياتي يختلفُ تمامًا عن وجودها في الحضيرة”، مؤكّـدًا خلال حديثة لقناة “المسيرة” أن “حضيرة الطائرات لا تُفتح بواباتها إلا في حالات الطوارئ القصوى أَو عمليات الصيانة والنقل اللوجستي الكبيرة”.

وعلى الرغم من اتِّخاذِ كافةِ الاحتياطات والتدابير الصارمة ونُظُمِ الأمان المتقدمة، إضافة إلى القدرات التقنية لمنع انزلاق الطائرة، تشير جميع البيانات الحالية إلى أن القضية ليست مُجَـرّد سقوط الطائرة، بل ترتبط بحالة حاملة الطائرات نفسها نتيجة العمليات العسكرية اليمنية وقوة المناورات التي أجبرتها على تنفيذها. وبذلك تكون القضية أعقد بكثير من مُجَـرّد سقوط الطائرة على سطح الإقلاع، بل تتعلق بالضغوط العملياتية التي تعرضت لها الحاملة خلال المواجهة.

وهذا يقودنا إلى تساؤل مهم: ما الذي يدفع حاملات الطائرات إلى فتح بوابات حضيرة الطائرات وهي تتعرض لضغوط العمليات والقصف من كُـلّ الجهات؟

هذا يشير إلى أن هناك أمرًا غيرَ عادي قد حدث لحاملة الطائرات -بحسب العميد شمسان- وليس مُجَـرّد مناورة أَو استدارة عادية؛ فليسَ من المنطقي أن تسقُطَ الطائراتُ داخلَ حضيرة الطائرات على متن الحاملة إلا إذَا تعرضت الأخيرة لضربة قوية جِـدًّا أَدَّت إلى تدمير جزءٍ من بوابة الحضيرة؛ مما تسبب في سقوط الطائرة.

هذا هو السيناريو الوحيد الممكن؛ إذ إن جميع الاحتمالات الأُخرى تُستبعد نظرًا لحجم الحماية المتاحة وأنظمة السلامة والصرامة التي تفرض قيودًا صارمة على فتح بوابات حضائر الطائرات؛ مما ينفي كُـلَّ الروايات الأمريكية بهذا الخصوص.

وعندما ننظر إلى التصريحات الرسمية الأمريكية، وخُصُوصًا ما تم الإعلان عنه بشأن أن الحاملةَ قامت بعملية استدارة، متسائلًا شمسان: “ماذا يعني ذلك؟” موضحًا أن “تنفيذَ استدارةٍ من قِبَلِ حاملة الطائرات يعني أن جميعَ القِطَعِ البحرية المصاحِبة لها قد تباعدت وتم تشتيتُها؛ مما أَدَّى إلى تركيزِ الهجومِ بشكل مكثّـف على حاملة الطائرات نفسها”، مؤكّـدًا أن “تركيزَ الهجوم المكثّـف على الحاملة يدُلُّ على أن القدرات اليمنية قد تمكّنت من تجاوز منظومات الدفاع التي تمتلكها الحاملة، بَدءًا من الدفاعات بعيدة المدى، مُرورًا بالدفاعات المتوسطة، ووُصُـولًا إلى الدفاعات القريبة والاشتباك المباشر من نقطة الصفر، وهذا يؤكّـدُ أن حَاملةَ الطائرات أُجبرت على القيام بما يسمى مناورة التفادي لتقليلِ الأضرار”.

ويُوضح شمسان أن “مناورةَ التفادي تُصبِحُ فيها كُلفةُ حماية السفينة أعلى من القِطَعِ الحربية الأُخرى، ومع ذلك، هل من الممكن لـحاملةٍ بحريةٍ بمساحةٍ تقارِبُ أربعةَ أضعاف مساحة ملعب كرة قدم أن تقومَ باستدارة وتنفِّذَ مناوراتٍ لتجنُّبِ صاروخ تصلُ سرعتُه، حسب بياناتهم، إلى خمسة أَو ثمانية أضعافِ سُرعة الصوت؟ هذا شيءٌ غيرُ معقول على الإطلاق”.

ويؤكّـد العميدُ شمسان أن “ما حدَثَ أكبَرَ من عملية الاستدارة والمناورة الحادة، وسقوط الطائرة والجرار، وهذا يوضح أن المعطياتِ تغيَّرت تمامًا بعد اجتماعِ مجلس الدفاع الوطني الذي ضَمَّ رئيسَ المجلس السياسي الأعلى ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان وقادةَ الدولة؛ ما يعني أن اليمن دخل مرحلةً جديدةً من المواجهة ضِدَّ العدوّ الأمريكي، وهي مرحلةُ الوجع، وتوجيه الضربات المؤلمة له؛ مما يبعَثُ برسالة مفادها أن الردَّ على العدوان الأمريكي الذي يستهدفُ المدنيين من قِبل القوات المسلحة اليمنية لن يقتصرَ فقط على إحباط الهجمات وتعطيل العمليات الهجومية، بل لدينا من القدرة والإمْكَانات ما يمكِّننا من إلحاقِ أضرارٍ جسيمة بحاملات الطائرات، ولن يكونَ بمقدور العدوّ الأمريكي الادِّعاءُ بأن الحادثَ ناجمٌ عن اصطدامِ الحاملة بسفينةٍ تجاريةٍ في البحر المتوسط، أَو غيرها من الادِّعاءات”.

ووفقَ الخبير العسكري شمسان، فَــإنَّ “العدوَّ الأمريكي يحاولُ التهربَ من الاعتراف بسقوط طائرة “إف-18″ من خلال رواياتٍ متضاربة، سواءٌ أكانت على سطح الإقلاع أَو في الحضيرة، وأن حاملة الطائرات نفَّذت مناورة حادَّة لتبرير الأمر، لكن هذه المحاولات لم تغيِّرْ من الحقيقة شيئًا”.

هذا بحدِّ ذاته، يُشَكِّلُ ضربةً قويةً وموجِعةً للقوة البحرية الأمريكية؛ لأَنَّ “أمريكا -كما يقولُ العميد شمسان- لم تكن يومًا قوةً عظمى إلا بفضلِ أساطيلها البحرية وبتفوُّقِها الجوي، وطالما أن اليمنَ استطاع أن يواجِهَ مجموعتَينِ ضاريتَينِ من حاملات الطائرات ويحيدُهما؛ فهذا يعني أن الصورةَ الأمريكيةَ المهيمنةَ اليوم أصبحت محدودةً ومقيَّدةً؛ بفِعلِ القدراتِ اليمنية المتصاعدة والتي باتت تشكِّلُ عاملَ قلقٍ وإحباطٍ لدى العدوّ الأمريكي وكذلك الإسرائيلي.