ما وراء تناقض الرواية الأمريكية حول سقوط الطائرة F18 في البحر الأحمر؟ [الحقيقة لا غير]
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
30 أبريل 2025مـ – 2 ذي القعدوة 1446هـ
تقريــر || عباس القاعدي
تصدَّرَ خبرُ سقوط طائرة F18 -من متن حاملة الطائرات الأمريكية [هاري ترومان] في البحر الأحمر- عناوين وسائل الإعلام الدولية؛ نظرًا لأهميّة الخبر الكبيرة وعلاقته بكشف ما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية إخفاءَه والتسترَ عليه.
ومنذ بدء العدوان الأمريكي على الشعب اليمني، وبدء الرد اليمني على حاملة الطائرات الأمريكية، اعتمدت واشنطن سياسة صارمة في إخفاء الحقيقة بشأن العمليات التي توجّـهها القوات المسلحة اليمنية، والخسائر التي يتكبدها العدوّ الأمريكي جراء المواجهات مع القوات المسلحة اليمنية.
الأمر الملفت أَيْـضًا هو التناقض في الروايات الأمريكية الخَاصَّة بحادث سقوط طائرة F18؛ حَيثُ صرحت البحرية الأمريكية في بيان رسمي أن الحاملة فقدت طائرة F18 بالإضافة إلى جرَّار سحب خلال عملياتها في منطقة البحر الأحمر بتاريخ 28 إبريل.
وأكّـد البيان أن الطائرةَ تعرَّضت للفقدان أثناء السحب إلى مدرج الطائرات، دون الإشارة إلى وقوع الحادث؛ بسَببِ السقوطِ أَو النيران الصديقة. ولهذا، في البيان الأول للبحرية استخدموا تعبير “فقدان” بدلًا من “سقوط”، كما لم يذكر البيان أية تفاصيل عن تعرض الحاملة لهجوم، مكتفين بقولهم: إن عناصر البحرية فقدوا التحكم بالطائرة؛ مما أَدَّى إلى سقوطها مع الجرار في البحر. أما بالنسبة لطاقم الطائرة، فقد أوضحت البحرية أنه تم إنقاذهم، مع تسجيل إصابة طفيفة لأحد البحّارة.
لم يمضِ وقتٌ قصيرٌ على بيانِ البحرية الأمريكية السابق حتى صدرت تصريحاتٌ عن مسؤول أمريكي آخر عبر شبكة CNN الأمريكية، وهي إحدى أبرز القنوات الإعلامية في الولايات المتحدة، جاءت بتفاصيل مختلفة ومعلومات تتعارض مع بيان البحرية الأمريكية. فيما يلي مقارنة مختصرة وسريعة توضح حالة التناقض في التصريحات الأمريكية عقب فقدان طائرة F18 في البحر الأحمر.
وذكرت شبكة CNN الأمريكية نقلًا عن المسؤول الأمريكي أن الانعطاف الحاد الناتج عن الذعر والهروب من الصواريخ والطائرات المسيَّرة اليمنية تسبَّب في سقوط الطائرة في البحر. ولهذا لم يستخدم المسؤول الأمريكي مصطلح “فُقدت”، بل وصَفَ الطائرة F18 بأنها سَقطت في البحر وغَرِقت، مُشيرًا إلى أن تكلفةَ هذه الطائرة تبلغ 60 مليون دولار.
ما ورد في المشهد السابق يعكسُ جانبًا آخر من تضارب الرواية الأمريكية المتعلقة بسقوط طائرة F18 في البحر الأحمر، كما يكشف عن حالة من الارتباك داخل التقارير والأخبار الصادرة عن الجهات العسكرية الأمريكية وعن دوائر اتِّخاذ القرار السياسي في الولايات المتحدة.
التصريحات التي صدرت سواءٌ في بيان البحرية أَو عبر تصريحات المسؤولين في وزارة الحرب الأمريكية تؤكّـدُ أن الجانبَ الأمريكي لا يعبّر عن الحقيقة كاملةً، بل يميل إلى إخفائها والتستر عليها، وهذا أمر بديهي في سياق الحروب وأساليب المواجهة.
ومنذ انطلاق العمليات العسكرية اليمنية ضد السفن الأمريكية، اتَّبع الطرف الأمريكي سياسة الإنكار التام وعدم الإقرار بنتائج الضربات اليمنية، بالإضافة إلى الفرار والتراجع الذي شهدته حاملات الطائرات. وعندما يتلقى العدوّ ضربات مؤثرة ويُجبَر على الاعتراف بالخسائر، كما هو الحال في سقوط طائرة F18 سواء الحادثة الأولى التي وقعت قبل أربعة أشهر أَو الحادث الأخير في 28 إبريل من العام الحالي، فَــإنَّ ذلك يؤكّـد أن ما يُخفيه عن نتائج العمليات العسكرية اليمنية أكبر بكثير، وكما يُقال: “ما خفي أعظم”.
يحاولُ العدوُّ الأمريكي توزيعَ الخسائر وتقليلَ الاعتراف بالوقائع، ومن بين ما اعترف به جراء الهجوم اليمني الأخير على حاملة الطائرات “ترومان” هو إصابة بحار واحد بجروح طفيفة، في حين أعلن البيان أن بقية الطاقم في حالة صحية جيدة.
هذه ليست المرة الأولى التي يعترف فيها العدوّ الأمريكي بإصابة جنوده وضباطه؛ فقد وردت اعترافاتٌ عديدةٌ في السابق تؤكّـد أن العدوَّ يتكتَّمُ على بعضِ الحقائق المتعلقة بما يتعرَّضُ له جنودُه خلال المواجهات مع القوات المسلحة. ففي 22 ديسمبر الماضي، تمكّنت القوات المسلحة اليمنية من إسقاط أول طائرة أمريكية من نوع F18 في البحر الأحمر، حَيثُ اعترف العدوّ الأمريكي بسقوط الطائرة نفسها نتيجة نيران صديقة، وكان هذا التبرير محاولةً لتجنُّب فضيحة الاعتراف بأن القوات المسلحة اليمنية هي التي أسقطت الطائرة فعليًّا. أما بالنسبة لسقوط الطائرة الثانية من طراز F18 إثر الضربات اليمنية في 28 إبريل؛ فقد زعموا أن ذلك كانَ بسَببِ انحدارٍ حادٍّ لحاملةِ الطائرات “ترومان”.
إن العدوَّ الأمريكيَّ، سواءٌ من خلال البحرية أَو وزارة الحرب، دائمًا يحاول تقديم جزء محدود من الحقيقة؛ بهَدفِ التخفيف من حدة الصدمة داخل المجتمع الأمريكي وفي صفوف الجيش، والحد من الأرقام الحقيقية. ولهذا ربما يكونُ عددُ الطائرات التي سقطت مِن على حاملة الطائرات ترومان أكثرَ مما أعلن، وربما يكون عدد الجنود الأمريكيين البحارة الذين تكبَّدوا خسائرَ أكبرَ، وربما الإصابات ليست بالطفيفة كما يدَّعي العدوّ، ونحن هنا غيرُ مجبَرين على تصديق الرواية الأمريكية.
المؤكّـدُ أن العدوَّ الأمريكيَّ لا يبوحُ بالحقيقة كاملة، وهذا يتضحُ من خلال التضارُبِ والاختلافِ في البيانات والأخبار والتقارير الصادرة عن الجانبِ الأمريكي. بالإضافة إلى أن العدوّ الأمريكي -وهذه ليست المرة الأولى، حينما يتعرَّضُ لضربات مؤثرة وخسائرَ نتيجةَ العمليات اليمنية، ويصعُبُ عليه إخفاءُ النتائج، خُصُوصًا أمامَ الرأي العام الداخلي- يلجأ إلى محاولة التصدِّي مسبقًا لأيِّ إعلان أَو تَبَنٍّ من القوات المسلحة اليمنية لأية عملية عسكرية؛ لأَنَّ ذلك يمثل له فضيحة أكبرَ وخسائرَ ماديةً ونفسيةً أكبرَ.
تُعَدُ الطائرةُ F18 التي أسقطتها القواتِ المسلحة اليمنية الثانية من نوعها، بحسب الاعترافِ الأمريكي نفسه. لكن الملفت والمشترك بين إسقاط الطائرتَينِ هو حالةُ الارتباك والتخبُّط الأمريكي، إلى جانب الرواياتِ الضعيفة والهَشَّة التي تعكسُ واقعًا حقيقيًّا من العجز الذي تواجهُه البحريةُ الأمريكية أمام القوات المسلحة اليمنية.
قبلَ نحوِ أربعةِ أشهر، أقرَّت قواتُ العدوّ الأمريكي بسقوط الطائرة F18 الأولى، محاولةً تبريرَ الحادث بأنه ناجمٌ عن “نيران صديقة”، كما أقرَّ الأمريكيون في تلك الواقعة بسلامة أفراد الطاقم ووقوع إصابة طفيفة واحدة؛ ما يوحي بأن البياناتِ الأمريكيةَ تُكرِّرُ المعلوماتِ ذاتِها؛ نتيجةَ حالةِ الارتباك الشديد، في محاولة لاستباق أيَّةِ تقاريرَ تصدُرُ عن الضرباتِ اليمنيةِ التي تعرَّضت لها البحريةُ الأمريكية وحاملةُ الطائرات ترومان على يدِ القوات المسلحة اليمنية والتقليل من حجمها.
ولتأكيد ذلك يجبُ العودةُ إلى تلكَ الفترةِ قبل أربعة أشهر، عندما اعترف العدوُّ الأمريكيُّ بسقوطِ الطائرة الأولى وما وصفه بـ “النيران الصديقة”.
يرى المحلِّلون والمتخصِّصون أن الرواياتِ الأمريكيةَ المتعلِّقةَ بسقوطِ الطائرات الحربية المتطوّرة في البحر الأحمر تمثِّلُ حالةً من الارتباك والخلط والانهيار الشامل، وهي المشاكلُ التي تواجهُها البحريةُ الأمريكية حَـاليًّا. ولهذا السبب، من الضروري التعرُّفُ على مواصفات وخصائص الطائرة الأمريكية F-18.
بجانب الطائرات الأمريكية من طراز F18، يوجد نوعٌ آخر من الطائرات الأمريكية التي اشتهرت بسُمعة سيئة في تاريخ الولايات المتحدة وفي صفوف سلاح الجو الأمريكي، وقد بدأت تتساقطُ بكثرة في أجواء اليمن مثل أسراب الجراد. وهي الطائرات من نوع MQ-9.
المصدر: “المسيرة نت”