الخبر وما وراء الخبر

نافذة على الاحداث:الاقتصاد والأمن أساس الحكم العادل

46

بقلم/ أحمد ناصر الشريف

أسس وقواعد الحكم الرشيد حددها الله سبحانه وتعالى في آية قرآنية كريمة وفي جمل مقتضبة ختم بها سورة: (قريش) حيث قال: «الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف».. ولما لهذه الآية من أهمية وما ورد فيها من توجيه إلهي غاية في الروعة فقد سارع غير المسلمين للعمل بها والتعامل بما جاء فيها مع شعوبهم وضمنوها قوانينهم وأنظمتهم ليرسوا بذلك الحكم العادل والرشيد على أساسها مع أننا نحن المسلمين كنا أولى بهذا التوجيه الإلهي والعمل به.
هذه الآية الكريمة حددت مرتكزين هامين لا يستقيم الحكم العادل إلا بهما وهما: الاقتصاد والأمن وبدون توافرهما يتحول كل شيء إلى فوضى .. وقد خاطب الله جلت قدرته في هذه الآية المختصرة بكلماتها القليلة والكبيرة في معانيها نفسه (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) وعلى أساس هذا التوجيه الإلهي فإن الشعوب حينما يتوافر لها الأمن والأمان والمعيشة المستقرة وهما صفتان تعكسان طبيعة الحكم العادل والرشيد تنتهي كل مشاكلها وتتفرّغ للبناء والتطوير.. لكن بدون توافر هذين العاملين المهمين فإن الفوضى الإدارية والأمنية واتساع دائرة الفقر تكون هي السائدة وينشأ عنها ما لم يحمد عقباه، لأن الجهاد الأكبر في هذه الحالة هو جهاد النفس.
على سبيل المثال لو ألقينا نظرة سريعة على الأوضاع في الشعوب والدول المتحضرة وبالتحديد الدول الأوروبية التي تؤمن بالتداول السلمي للسلطة وتجعل من شعوبها مصدر السلطات لوجدنا أنهم في بلدانهم يطبقون مضمون هذه الآية الكريمة حرفياً ويتعامل الحكام فيها مع الشعوب بروح الإسلام وتعاليمه السمحاء وهو ما يؤكد ما قاله الإمام محمد عبده- رحمه الله- بعد عودته من زيارته لعدد من الدول الأوروبية حين سألوه: ماذا وجدت في أوروبا يا شيخ محمد؟ فقال: وجدت إسلاماً بلا مسلمين.. وهو ما يعني أنه وجد عند هؤلاء القوم غير المسلمين الصدق والأمانة والوفاء ليس مع الإنسان فحسب وإنما حتى مع الحيوان، حيث له من الاهتمام والحقوق ما لم تستطع أية حكومة في هذه البلدان تجاهلها.
وذلك بعكس ما يحدث في بلاد المسلمين حيث أصبح الإنسان فيها يشكّل أرخص الأشياء مع أن الله قد كرّمه بدليل أن دمه الحرام يُسفك بغير حق في كل مكان وعرضه وماله مهدور ولم يعتبر المسلمون بما ورد في القرآن الكريم من تحذير في آيات كثيرة تتوعد قاتل النفس المحرمة بالخزي في الدنيا والعذاب والخلود في جهنم.. وكذلك ما جاء في أحاديث شريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام تؤكد أن هدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من إراقة دم امرئٍ مسلم أو كما جاء في الحديث.
أما لو توقفنا قليلاً أمام ما يجري في بلدنا اليمن الموصوف ببلد الإيمان والحكمة فسنجد العجب العجاب.. فلم يعد للإنسان قيمة تُذكر ودمه المهدور في كل بقعة من مساحة الأرض اليمنية أصبح أرخص من الماء وذلك عائد لغياب الدولة وأنظمتها وقوانينها التي لم تفعل ولم يُعمل بها برغم كثرتها ولكنها موضوعة داخل أدراج المكاتب يعلوها الغبار والتراب، لأن هناك من لا يريدون تطبيق النظام والقانون لأنه سيحد من نفوذهم ويجبرهم على الالتزام به ويمنع فسادهم فيما لو تم تفعيله وتطبيقه.
ولذلك فقد آلوا على أنفسهم إلا أن يطبّقوا على الشعب شريعة الغاب التي تجعله يتقاتل مع بعضه كما كان يحدث للعرب أيام جاهليتهم الأولى قبل الإسلام، حيث كانوا يعيشون في ظل اللا دولة بعضهم يحتمي بالفرس والبعض الآخر يطلبون الهدايا والعون من الروم وإن كانت لديهم بقايا أخلاق تحكمهم في بعض الحالات فكانوا يعتبرون الكذب الذي أصبح اليوم سائداً في واقعنا وتسبب في نشوء المشاكل والفتن من المحرمات وقد جاء الإسلام لينقذهم من هذا الوضع المهين وكونوا في ظل رايته إمبراطورية مترامية الأطراف وبالعدل والحكم الرشيد الذي أرسوه سادوا العالم فترة طويلة جداً حتى عادت إليهم حميّتهم الجاهلية فتراجعوا وأصبح وضعهم اليوم في الجاهلية الأخرى التي قال عنها النبي محمد بن عبدالله عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام أنها ستكون أشد من الجاهلية الأولى يشفق عليهم منها العدو قبل الصديق بدليل أن واقعنا الحالي أصبح فيه كل شيء مباحاً وصار الكذب والاتهام والتخوين هو الدستور الذي يسير عليه البعض مع أنهم يعرفون جيداً أن هذه الصفات الشنيعة ما حلّت بشعب إلا دمّرته وقضت على دولته.
وحينما نستعرض تاريخ اليمن منذ ثلاثة آلاف سنة وما تعرّض له بلدنا في فترات تاريخية معينة من ظلم وجور واستبداد سنجد أن كل ذلك يهون لو قارناه بما يمر به اليمنيون اليوم من مرحلة حرجة جداً وصل فيها الانحطاط الأخلاقي والإنساني إلى درجة أن يُذبح الإنسان البريء بالسكين من الوريد إلى الوريد ويتم التكبير عليه وكأنه نعجة يتم التضحية بها والتقرّب إلى الله بدمها.. والسبب كما أشرنا آنفاً هو عدم وجود العدل وتوافر الحكم الرشيد ولذلك فقد سلّط الله على هذا الشعب أناساً تحكّموا سابقاً في مصيره تجرّدت قلوبهم من الرحمة وعلى عيونهم غشاوة حجبت عنهم النظر إلى ما يعانيه هذا الشعب من متاعب ويئن تحت جور الفوضى الإدارية والأمنية وغياب النظام والقانون وسيطرة القوي على الضعيف في دمه وماله وعرضه.. ومع ذلك نقول إن هناك قوى سياسية استثمرت معاناة الشعب اليمني وجيّرت هذه المعاناة لصالحها من خلال دغدغتها لعواطف الناس ليقفوا مع اعداء اليمن .. ونحن نقول لهم: لماذا لا تقطعون الطريق على هذه القوى التي تتحدثون عنها وتحملونها مسؤولية ما يحدث من خلال رفع المعاناة عن الشعب ووضع حد للفساد والفاسدين الذين أوصلوا الأوضاع بفسادهم المستشري إلى هذه المرحلة الصعبة جداً والتي نخشى أن يفلت فيها الزمام نهائياً و بدون اتخاذ قرارات جريئة لإيجاد حلول فلن يتخلّص الشعب اليمني منها لاسيما والعدوان القائم على اليمن وشعبه للعام الخامس على التوالي يزيد من تغذية ثقافة الحقد والكراهية ضدبعضنا البعض ..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com